حشود عسكرية دولية، مواجهات داخلية، ومبادرات لم تجد طريقها لحل سياسي، كلها معطيات تشير إلى تحديات إضافية على الساحة الليبية، التي تبدو مقبلة على مزيد من المواجهات. فبعد أيام من التوتر العسكري جنوب ليبيا إثر مساعي قائد قوات طبرق خليفة حفتر للسيطرة على مواقع استراتيجية وعسكرية في الجنوب، ثم انخفاض التوترات بشكل مفاجئ، برز وصول بوارج حربية إيطالية قبالة شواطئ طرابلس وحاملة طائرات روسية قبالة منطقة الزويتينة شرق البلاد. هذه التطورات تزامنت مع استمرار حفتر وشركائه السياسيين في البرلمان والإقليميين على موقفهم الرافض لاتفاق الصخيرات السياسي. كل ذلك في وقت تبقى فيه المبادرة الثلاثية التي تبنّتها جامعة الدول العربية، والتي أفرزتها جهود الجزائر وتونس ومصر في الأسابيع الأخيرة، التحرك الأبرز للدفع باتجاه حل سياسي، من دون مؤشرات على إمكان تحوّلها إلى تحرك حقيقي في وقت قريب. وجاءت هذه التطورات بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي مارتن كوبلر، قبول الأطراف الليبية بمطالب ممثلي البرلمان وحفتر، المتمثلة في إعادة النظر بالاتفاق السياسي وتعديله، شرط أن يتم التعديل وفق توصيات وبنود الاتفاق السياسي، التي تنص على تشكيل لجنة مشتركة بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة لمناقشة صيغ التعديل المقدّمة من الأطراف.
وإثر اعلان الجامعة العربية الثلاثاء الماضي تبنّيها لمبادرة الجزائر وتونس ومصر واستعدادها لرعاية حوار ليبي-ليبي يفضي إلى تقريب وجهات النظر وحلحلة الخلافات حول المواد الخلافية في الاتفاق السياسي، أعلن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، توجيه دعوة رسمية لمسؤولي وزارة الدفاع الروسية إلى زيارة ليبيا لبحث سبل مكافحة الإرهاب. وبرز سريعاً حضور مفاجئ لحاملة الطائرات الروسية قبالة شاطئ منطقة الهلال النفطي. لكن مراقبين للشأن الليبي يرون أن دخول روسيا على خط الأزمة الليبية لم يكن وليد دعوة البرلمان أو عبر الزيارات الرسمية لحفتر وصالح إلى موسكو، لكنه جاء بعد سلسلة اجتماعات كانت تجري بين حفتر وقادة وضباط روس في مصر والأردن وبوساطة من هاتين الدولتين.
الحاملة الروسية التي تحمل طائرات حربية ومروحية وصواريخ، لم تكن قد استقرت قبالة الشاطئ الليبي، حتى فاجأت إيطاليا الجميع بإرسال بارجتين بحريتين إلى المياه الإقليمية قبالة العاصمة طرابلس، تحت مبرر توفير الحماية لسفارتها. وسبق ذلك زيارة رسمية لوزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي إلى ليبيا التقى خلالها مسؤولي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. وتتفق آراء مراقبين للشأن الليبي مع مصادر مقربة من حفتر، على أن روسيا وإيطاليا لن تدخلا في دعم أطراف ليبية في صراع مسلح جديد بقدر ما تسعيان إلى تحصيل مكاسب سياسية مرتبطة بمصالحهما بالمنطقة.
وفي مقابل إبراز روسيا دعمها لحفتر، انحازت إيطاليا إلى جانب المجلس الرئاسي ودعمت قواته خلال عملية "البنيان المرصوص" التي قاتلت تنظيم "داعش" في سرت بتقديم مستشفى ميداني في مدينة مصراته. لكن يبدو أن خصوم المجلس الرئاسي وتحديداً حفتر، يعتبرون هذا الدعم انحيازاً من روما إلى جانب مصراته الأقوى عسكرياً وسياسياً في غرب البلاد. ولم يخفِ حفتر في تصريحات لصحيفة إيطالية قبل أيام، امتعاضه من وجود قوة إيطالية يزيد عددها عن 200 جندي في مدينة مصراته لحماية بعثتها الطبية فيها، معتبراً أن إيطاليا "اختارت الطرف الخطأ" ويجب عليها التفاهم والتشاور معه من أجل دعم قواته.
وحتى اللحظة لم يتسنَ التعرف على شكل وحجم القوة الايطالية المتواجدة في ليبيا باستثناء وجود 200 جندي في مصراته وثلاث بوارج قبالة طرابلس لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي. في المقابل، فإن أحد الضباط المقربين من حفتر كشف لـ"العربي الجديد" عن اطلاعه على بعض الوثائق التي تثبت أن حاملة الطائرات الروسية على متنها 7 طائرات من نوع "سوخوي سو 33"، بالإضافة لثلاث من نوع "ميغ 29 كي"، وعدد آخر من المروحيات من طراز "كاموف كا 27" و"كاموف كا 52". وأضاف: "هناك معلومات أخرى تؤكد أن الحاملة على متنها أيضاً صواريخ من طراز بي-700 غرانيت، ومعها قطع بحرية أخرى لحماية التشكيلات البحرية التابعة لحفتر من أي هجوم".
كما كشف أن "هناك فريقاً ليبياً مكوّناً من 8 ضباط من خريجي الكليات الروسية، يعملون ضمن غرفة مشتركة مع روسيا للتنسيق لضربات جوية على أهداف داخل الصحراء"، مضيفاً: "لا أعتقد أن القصف سيطاول أهدافاً في غرب ليبيا، كما أن العمليات البرية ستنفذها قوات ليبية فقط بمساعدة خبراء روس". وكانت وسائل إعلام روسية قد نشرت تسجيلاً لزيارة حفتر إلى الحاملة الروسية، أظهرت خلاله طائرات روسية وهي تنطلق منها.
وعلى الرغم من ضخامة هذه الترسانة الروسية القابلة للزيادة في حال احتدام أي صدامات، إلا أن حفتر لم يستطع حتى الآن تحقيق أي مكسب من وراء هذا الوجود، لكنه عمد إلى جر طرابلس لصراع مسلح بعيد تحرك المجموعات المسلحة التابعة لحكومة الإنقاذ للسيطرة على مقار وزارية هامة وسط العاصمة. وبدت الرسالة واضحة من خلال عقد رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل مؤتمراً صحافياً ليل الخميس للإعلان عن السيطرة على أربعة مقار وزارية، من داخل مقر وزارة الدفاع التي يتولاها المهدي البرغثي، خصم حفتر العسكري.
وكانت حكومة الإنقاذ قد أعلنت في وقت سابق سعيها لتشكيل حكومة موحدة مع البرلمان.
لكن المجلس الرئاسي نجح باستعادة السيطرة على مقرين وزاريين صباح أمس من دون أي صدام مع قوات حكومة الإنقاذ، بالتوازي مع نجاحه في استضافة النواب المؤيدين للاتفاق السياسي في طرابلس لكسر احتكار طبرق لقرار البرلمان، ومن المزمع أن يعقد النواب المؤيدون للاتفاق السياسي جلسة مكتملة النصاب للبرلمان في مقر جديد في طرابلس.