وبالتوازي مع حراك كبير تشهده العواصم الثلاث (الجزائر وتونس والقاهرة)، شهد الموقف الدولي تحولا كبيرا بإعلان وزير خارجية إيطاليا أنجيلينو ألفانو، خلال تصريح صحافي يوم أمس الثلاثاء، أن بلاده "لن تدعم حكومة الوفاق إلا بقرار أممي" لافتا إلى أن بلاده "هي أول من اقترح إعطاء منصب للجنرال حفتر"، في خطوة إلى الوراء تشير إلى نفض إيطاليا يدها من المجلس الرئاسي وحكومته التي راهنت عليهما خلال السنة الماضية.
ويبدو أن الموقف الإيطالي تأثر بشكل كبير بالتوجه المحلي الليبي الذي أنتج مقترحات هي الأولى من نوعها، بعد عام كامل من جمود سياسي شهدته البلاد، فقد أعلن ممثلو أطراف ليبية يوم أمس بمدينة الحمامات التونسية عن موافقتهم على إعادة النظر في المجلس الرئاسي، مطالبين البرلمان الذي تغيب ممثلوه عن اللقاء التشاوري بضرورة الالتزام بتضمين الاتفاق السياسي، ضمن الإعلان الدستوري للدولة الليبية، بعد الموافقة على مطالبه بإعادة النظر في تشكيل المجلس، الذي يعد سببا في عرقلة تطبيق الاتفاق السياسي من وجهة نظر البرلمان.
وتمحورت نتائج لقاء الحمامات يوم أمس حول الموافقة على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي بنائبين ورئيس، وتعيين رئيس للدولة منفصل في صلاحياتهم وممارساتهم عن الحكومة، بالإضافة لتوسيع عضوية مجلسي النواب والدولة، لضمان تمثيل شعبي أوسع فيهما، كما أن منصب القائد الأعلى للجيش يجب أن يستند لثلاث جهات تمثل الأطراف الرئيسية في النزاع، لضمان عدم انفراد أي منهما بالقرار العسكري.
وبحسب التسريبات المتوفرة التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن المندوب السابق لليبيا بالأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم، والسفير السابق لليبيا بالإمارات، وعضو البرلمان الحالي فتحي باشاغا، وسفير ليبيا الحالي بالبحرين فوزي عبد العال، والسفير الحالي في باريس الشيباني بوهمرد، هم المرشحون الحاليون لرئاسة الدولة، ورئاسة المجلس الرئاسي الجديد.
وفيما أبدى ممثلو الأطراف السياسية في طرابلس وغرب البلاد ليونة إزاء المقترحات الجديدة، يبدو أن ممثلي البرلمان الموالين للواء المتقاعد خليفة حفتر مستمرون في تعنتهم إزاء أي توجه لكسر حالة الجمود السياسي، فقد أعلن البرلمان يوم أمس بشكل مفاجئ عقده جلسة لتعيين لجنة جديدة تمثله في لقاءات الحوار السياسي، في رسالة ضمنية لاستمرار رفضه للاتفاق السياسي الذي سبق أن وقع عليه ممثلوه في الصخيرات المغربية، في ديسمبر من عام 2015م.
ورغم موافقة بعض ممثلي المؤتمر الوطني العام من الموالين للبرلمان لاحقا على نتائج لقاء تونس، حيث اعتبر توفيق الشهيبي، العضو السابق بالمؤتمر الوطني، وعضو لجنة الحوار أن الأطراف الليبية بدت متوافقة حول تعديل الاتفاق السياسي، ولكن المشكلة منحصرة في الوقت الحالي حول الضمانات التي من الممكن أن يتم تقديمها لقبول البرلمان بالاتفاق بعد تعديله، إلا أن عضو البرلمان الموالي لحفتر، زياد دغيم، اعتبر خلال تصريحات صحافية أمس، أن نتائج لقاء الحمامات "لا تحمل أي أثر قانوني أو سياسي"، مشيرا إلى أن نتائج اللقاء "مرفوضة ما لم تُلغَ المادة الثامنة، وترجع صفة القائد الأعلى لرئيس البرلمان".
وكان ممثلو البرلمان جددوا مطالبهم بضرورة تعديل الاتفاق السياسي خلال جلسة غدامس قبل أسبوعين، من خلال إعادة النظر في شكل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، لكن موقفهم شهد تراجعا كبيرا بعد إعلان الأطراف الليبية القبول بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي الحالي، بمقاطعتهم لجلسات اللقاء، دون صدور أي رد فعل رسمي حتى الآن حول النتائج المعلنة.
وعلى الصعيد الإقليمي تشهد المبادرة الثلاثية لدول الجوار(الجزائر وتونس ومصر) شدا وجذبا، على خلفية إصرار الجزائر وتونس على أن يكون أي تفاهمات ليبية مقبلة داخل إطار اتفاق الصخيرات، حيث شددت الجزائر على ضرورة عقد لقاء ثلاثي بين رئيس البرلمان، والمجلس الأعلى للدولة، ورئيس المجلس الرئاسي، لمناقشة منصب القائد الأعلى للجيش، ووضوح التفاهم حول المادة الثامنة من الاتفاق السياسي.
وهذا المسعى يصادم رغبة القاهرة التي تحاول جهدها الإبقاء على الملف الليبي بيدها، من خلال اقتراحها إنقاذ منصب "حفتر" العسكري، وطرح عديد الصيغ من بينها اقتراح منصب رئيس للدولة تشغله شخصية مقربة من البرلمان، ويبدو أن "السفير الليبي السابق لدى الإمارات العارف النايض، والذي استقال قبل شهرين بشكل مفاجئ هو مرشحها الأبرز للمنصب الجديد.