تشهد مدينة عدن ومحيطها جنوبي اليمن، حراكاً سياسياً، في إطار الاستعدادات لإحياء الذكرى الـ54 لثورة الـ14 من أكتوبر/تشرين الأول 1962 ضد الاستعمار البريطاني، إذ من المقرر أن تشهد عدن مهرجانين منفصلين، يعبران عن أبرز القوى الفاعلة على الساحة جنوباً، في ظل الانقسام بين ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً وتيارات أخرى في "الحراك الجنوبي"، والقوى المعارضة له بشكل عام.
تحشيد لساحتين
وأكدت مصادر محلية في عدن، لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس الانتقالي"، بدأ منذ أيام، تحضيرات مكثفة على مستوى عدن والمحافظات الجنوبية المحيطة بها، من خلال اجتماعات ودعوات لإحياء مهرجان في ساحة مديرية المعلا، لمناسبة الذكرى الـ54 للثورة، إذ جرى تشكيل لجان تحضيرية في عدن والمحافظات، ووُجهت دعوة إلى الجماهير "للزحف إلى العاصمة عدن"، في وقت بدأ فيه "المجلس" فعاليات مصاحبة حول الذكرى بالتزامن مع عودة قيادات ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، إلى المدينة. وأوضحت مصادر محلية في عدن أن رئيس "المجلس" محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، عاد إلى المدينة، مع قيادات أخرى، بعد أن كان في أبوظبي خلال الفترة الماضية.
ووفقاً للمصادر، فقد رفع الانقسام الحاصل في عدن بين "المجلس الانتقالي" ومعارضيه من "الحراك" والقوى الأخرى، من وتيرة التحضيرات، مع دعوة الأخيرة إلى مهرجان بالتزامن، يجري التحضير لإقامته في "ساحة العروض"، في المناسبة ذاتها (ذكرى الثورة)، ما يجعل عدن، في 14 أكتوبر الحالي، أمام حشود وحشود مضادة، تعبران عن الانقسام الحاصل، في الداخل الجنوبي وبين حلفاء الإمارات، ومعارضيهم.
وأظهرت مجمل الأنشطة التحضيرية والبيانات الصادرة عن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، أنه يسعى إلى أن تكون الفعالية الرسمية لإحياء الثورة، هي المهرجان الذي دعا إليه في ساحة المعلا، بوصفه "الممثل للجنوب"، كما تقول أدبياته. ومن شأن الحشد، في ظل وجود مهرجان منافس، أن يمثل اختباراً للمجلس وشعبيته جنوباً بعد شهور من تشكيله، مثلما أن مهرجان "ساحة العروض" المقابل، سيكون اختباراً لحضور معارضي "الانتقالي"، سواء من "الحراك"، أو القوى والشخصيات المحسوبة على الحكومة الشرعية.
اختبار للتمثيل
وتبرز أهمية فعاليات الاحتفال بذكرى ثورة الـ14 من أكتوبر، هذا العام، كونها تأتي بعد انخراط فصيل بارز من "الحراك الجنوبي"، إن لم يكن يمثل الغالبية من مكوناته، ضمن ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، والذي ولد على نحو أقرب إلى "انقلاب" ضد الشرعية، بدعم إماراتي، في مايو/أيار الماضي، ثم دخل "المجلس" في مرحلة جمود، أثارت التساؤلات حول أسباب تجميده وما إذا كان ذلك "مؤقتاً"، أم نتيجة لمراجعة من قبل دول التحالف، بقيادة إماراتية-سعودية، والتي تدعم أبرز شخصيات "المجلس" الداعية إلى الانفصال. بالإضافة إلى ذلك، اعتاد اليمنيون منذ تصاعد ما يُسمى بـ"الحراك الجنوبي"، أن تكون المناسبات على غرار ثورة أكتوبر أو ذكرى الاستقلال، مناسبة للحشد والاستعراض الجماهيري من قبل فعاليات "الحراك الجنوبي". وفي الوقت الذي قدم فيه "المجلس الانتقالي"، نفسه، كسلطة (فشل في إثباتها)، يأتي مهرجان أكتوبر، كاختبار آخر، على صعيد الجماهير.
وعلى الرغم من كون مجلس محافظ عدن السباق، عيدروس الزبيدي، يمثل أبرز مكونات "الحراك"، إلا أن الجمود الذي دخل فيه المجلس بعد تشكيله، والمعارضة التي تتوسع جنوباً، من قبل شخصيات وقيادات محلية ضد المجلس، وضد سياسات الإمارات، التي تتولى واجهة حضور ونفوذ التحالف جنوبي اليمن، من شأنها أن تعكس حضوراً معتبراً لمعارضي المجلس، خصوصاً مع الصراع بينه وبين الحكومة الشرعية. وكان "المجلس الانتقالي" تألف في مايو الماضي، معتمداً على غطاء جماهيري بالأساس، إذ دعا الزبيدي، بعد إقالته، ومؤيديه إلى ما سُمي بـ"مهرجان عدن التاريخي"، وصدر عن المجلس "إعلان عدن"، الذي بموجبه ألف الزبيدي مجلساً قدم في بادئ الأمر مهامه بـ"تمثيل وإدارة الجنوب"، ثم تراجع في وقت لاحق، إلى القول إنه لا يستهدف الشرعية ولا الرئيس عبدربه منصور هادي، في موقف يناقض الدعوة إلى الانفصال، لكنه ينسجم مع توجه التحالف بقيادة أبوظبي والرياض. وقال المجلس، في بيان، إن "الحرص على إنجاح هذه الفعالية إنما يحمل في مضمونه رسائل عدة بأن ثورة الآباء والأجداد، التي قامت في عام 1963، ما زالت قائمة ومستمرة، ويتصدرها الأحفاد، ولن تتوقف حتى تحقق أهدافها بتحرير الجنوب (الانفصال عن الشمال) وتطهير أرضه وبناء دولته الجنوبية الديمقراطية الفيدرالية المستقلة الضامنة لحقوق كل أبنائها". وأضاف أن "الجنوب الحر قادم، وفي وقت هو أقرب مما تصوره أوهامهم".
وبغض النظر عن التنافس الحاصل بين فعاليتين، تأتي ذكرى ثورة أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني، الذي سيطر على جنوب اليمن لما يقرب من 128 سنة، في وقت باتت فيه المحافظات الجنوبية، منفصلة عملياً في العديد من الجوانب السياسية والإدارية، على نحو يزيد من حدة التنافس وصراع النفوذ بين الأطراف الفاعلة، والتي تحررت من سلطة "صنعاء" إلى حد كبير، لكنها أصبحت موزعة النفوذ بين الإمارات وما تبقى من الحكومة الشرعية. وتعد فعالية 14 أكتوبر اختباراً مهماً لـ"المجلس الانتقالي" الذي يمثل أغلبية "الحراك الجنوبي"، قبل غيره من الأطراف الأخرى.
في موازاة التطورات السياسية كان لافتاً تنفيذ قوة تابعة لأمن عدن، حملة اعتقالات، فجر أمس الأربعاء، طاولت قيادات ونشطاء في حزب التجمع اليمني للإصلاح. وأعلن فرع الحزب في عدن، في بيان، أن قوة تتبع إدارة أمن عدن، التي يقودها شلال شايع، المقرب من الإمارات، داهمت منزل الأمين المساعد للحزب في المحافظة، محمد عبد الملك، واعتقلته مع تسعة أشخاص بطريقة "لا تمت للقانون". ومن بين المعتقلين عضو مجلس شورى "الإصلاح" في عدن، عارف أحمد علي، والقيادي في المقاومة الشعبية، أيمن شكيب. كما داهمت قوة أمنية أيضاً مقر الحزب في منطقة القلوعة وقامت بإغلاقه وطرد حراسته. وأتت الاعتقالات بعد ساعات من اغتيال إمام وخطيب مسجد زايد، الشيخ ياسين الحوشبي العدني، في عدن مساء الثلاثاء، بعبوة ناسفة زرعها مجهولون في سيارته، فيما نجا قائد ما يُسمى بـ"قوات الحزام الأمني" في محافظة لحج، من محاولة اغتيال تعرض لها مساء الثلاثاء، بعبوة ناسفة انفجرت لحظة مرور موكبه في منطقة "إنماء" بمديرية المنصورة في عدن.
وشهدت عدن، العام الماضي، سلسلة من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال طاولت مسؤولين أمنيين وأئمة جوامع، غير أن وتيرتها تراجعت في الشهور الأخيرة.