أصدر المجلس العدلي في لبنان (أعلى هيئة قضائية) حكماً بإعدام حبيب الشرتوني وتجريده من حقوقه المدنية، بتهمة اغتيال الرئيس المُنتخب بشير الجميل، قبيل تسلمه المنصب بشكل رسمي عام 1982. وهي القضية التي بقيت عالقة في المحاكم اللبنانية منذ تاريخ اعتراف الشرتوني بتنفيذ العملية حتى اليوم.
وقد تحوّل اعتصام العشرات من أنصار "الحزب القومي السوري الاجتماعي" الذي ينتمي إليه الشرتوني قرب مقر المجلس العدلي في العاصمة بيروت، بانتظار الحكم غير القابل للطعن أو النقض، إلى مظاهرة مُنددة بالحكم. بينما عبّرت عائلة الجميل وخلفها "حزب الكتائب اللبنانية" الذي أسسه والد بشير، بيار، عن فرحتهم بتحقيق ما وصفوه بـ"العدالة" في هذا الملف.
ويستمر الشرتوني في التواري عن الأنظار بعد أن جرى إطلاق سراحه من السجون اللبنانية عام 1990، عند انتشار القوات السورية في لبنان في 13 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1990 ومغادرة قائد الجيش في ذلك الحين ميشال عون (الرئيس الحالي) إلى فرنسا. وذلك بعد توقيف لمدة ثماني سنوات اعترف خلالها بتنفيذ العملية، "لأن بشير الجميّل باع لبنان إلى إسرائيل".
وقد برّر الشرتوني فعلته بالتحالف العسكري والأمني والسياسي الذي جمع "الكتائب" خلال رئاسة الجميل له بإسرائيل، وتبادل الزيارات بين الجميل وبين عدد من القادة الإسرائيليين ومنهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون. وقد جرى نشر كثير من المقابلات المكتوبة مع الشرتوني، كذلك شارك هاتفياً في إحدى الحلقات التلفزيونية للدفاع عن عملية الاغتيال. ونُشرت آخر مقابلة له أمس الخميس في إحدى الصحف المحلية، قبل يوم واحد على صدور حكم الإعدام بحقّه.
وأنهى اغتيال بشير بعد ثلاثة أسابيع على انتخابه رئيساً للجمهورية وحدة "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، والتي كانت تُشكّل الذراع العسكرية للحزب اليميني المسيحي، وتحولت مع اغتيال بشير إلى حزب مُستقل بسبب الخلافات بين قيادة القوات وعلى رأسها سمير جعجع، مع شقيقه أمين الذي انتخب رئيساً للجمهورية خلفاً لأخيه.
وشكّلت الهزيمة العسكرية والسياسية لقائد الجيش ميشال عون أمام القوات السورية، وقبلها اغتيال بشير الجميل، محطات رئيسية على طريق الحرب الأهلية اللبنانية التي انطلقت عام 1975 واستمرت حتى عام 1990. كذلك أسس هذان الحدثان لمرحلة الاحتلال السوري المباشر للبنان، واستكمال الوصاية الأمنية والعسكرية لنظام حافظ الأسد بالوصاية السياسية المباشرة.
ولم ينته الاستهداف الأمني لآل الجميل حتى بعد انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بل طاولت عمليات الاغتيال بيار أمين الجميل، ابن شقيق بشير، ووزير الصناعة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (2005 - 2008)، وجرى قتله بالرصاص أثناء مروره بالسيارة في منطقة الجديدة شمالي بيروت عام 2006. ولا تزال ملابسات الاغتيال غير واضحة، علماً أن العائلة تتهم النظام السوري بتنفيذ الاغتيال الثاني الذي أصاب آل الجميّل وقضى على مسيرة بيار الجميّل السياسية في بدايتها. وهو ما مهّد بشكل غير مباشر، لتصدّر الأخ الأصغر لبيار، سامي، الواجهة وانتخابه رئيساً لحزب الكتائب خلفاً لوالده أمين.
ومن المُتوقع أن تشهد منطقة الأشرفية في العاصمة بيروت، وهي أحد المعاقل السياسية والطائفية لـ"الكتائب" خلال الحرب الأهلية، احتفالات مساء اليوم الجمعة بنتيجة الحُكم.