وفيما يتصاعد الصراع ويتعقد أكثر تبدو المعارضة "الغائب الأبرز" عما يجري، إذ يشير قيادي في الجيش السوري الحر إلى أن مستقبل دير الزور "حُسم"، ومن المرجح أن تكون المعارضة خارجه على الأقل في الوقت الراهن.
ولا تزال دير الزور وريفها في دائرة الحدث السوري الأبرز في ظل اشتباكات متواصلة تدور في مختلف أرجاء المحافظة مترامية الأطراف بين قوات النظام و"داعش" من جهة، والتنظيم وقوات "سورية الديمقراطية" من جهة ثانية، في صراع يتصاعد على شرقي سورية برمته.
وتؤكد مصادر في قوات النظام أن الأخيرة لا تزال تواصل اندفاعتها في المدينة وريفها الشرقي، مشيرة إلى أنها خاضت اشتباكات عنيفة مع مجموعات من تنظيم "داعش" تتحصن في حويجة صكر وحي الصناعة داخل المدينة. وتزامنت الاشتباكات مع رمايات من سلاح المدفعية وغارات جوية للطيران الحربي على تحصينات التنظيم وأوكاره في أحياء: الشيخ ياسين، وسوق الهال، وشارع سينما فؤاد، والحويقة، والجبيلة، والرشدية، والعمال، وكنامات، وخسارات، والعرضي. وباتت هذه القوات تسيطر على عدد كبير من أحياء مدينة دير الزور، إذ تشير مصادر إعلامية إلى أنها انتزعت السيطرة على نحو 90% من المدينة. كما تحاصر من تبقّى من مسلحي تنظيم "داعش" داخل بعض الأحياء، في تكرار واضح لسيناريو مدينة الرقة. وبيّنت المصادر أن قوات النظام تواصل التقدم على محور مدينة البوكمال، جنوب شرقي مدينة دير الزور، مشيرة إلى أن طيران النظام نفذ غارات جوية مكثفة على بلدتي العشارة والقورية، جنوب شرق الميادين بنحو 60 كيلومتراً. وأشارت إلى السيطرة، أمس الاثنين، على بلدة خشام بريف دير الزور الشمالي الشرقي، وعلى عدد من النقاط داخل بلدة "محكان"، جنوب شرق مدينة الميادين باتجاه مدينة البوكمال.
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قتالاً عنيفاً يدور بين "داعش" من جهة، وقوات النظام من جهة أخرى، على محاور في ناحية العشارة الواقعة إلى الشرق من بلدة القورية، التي سيطرت عليها قوات النظام يوم الأحد. وأشار إلى أن قوات النظام تمكنت من التقدم والدخول إلى أحياء في بلدة العشارة. وأوضح المرصد أن قوات النظام سيطرت على قرية طابية جزيرة، لتؤمن بذلك قواتها الموجودة على مشارف حقل ومعمل غاز كونيكو الذي يعد أكبر حقل غاز في سورية، والذي بات تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية. ورشحت معلومات غير مؤكدة تشير إلى أن قوات "سورية الديمقراطية" ربما تنسحب من حقل كونيكو لصالح قوات النظام نتيجة تفاهمات أبرمها علي مملوك، الرجل البارز في أجهزة استخبارات النظام، مع الوحدات الكردية خلال زيارة قام بها للحسكة مع مسؤول روسي كبير منذ عدة أيام.
وفي السياق، باتت البوكمال أبرز معاقل تنظيم "داعش" في سورية، وهي تبعد عن مدينة دير الزور شرقاً نحو 110 كيلومترات، على الحدود السورية العراقية، إذ تقابلها مدينة القائم، معقل التنظيم البارز في غربي العراق. ومن الواضح أن قوات النظام بدأت بشق طريقها نحو البوكمال بعد السيطرة على مدينة الميادين، في مسعى للوصول أولاً إلى البوكمال لتحقيق "انتصار إعلامي"، ولاستعادة السيطرة على معبر هام بين سورية والعراق، خصوصاً أن معبر التنف في شرقي حمص تحول إلى قاعدة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
في المقابل، تحاول قوات "سورية الديمقراطية" توسيع نطاق سيطرتها في منطقة "الجزيرة"، شمال نهر الفرات، بعد سيطرتها على حقل "العمر"، أكبر حقول النفط في سورية. وتسعى "قسد" للسيطرة على كامل المنطقة الممتدة من بلدة "خشام" حتى منطقة "البصيرة" على الضفة الشمالية لنهر الفرات. وباتت هذه القوات المدعومة من التحالف الدولي على تماس مباشر مع قوات النظام في محور بلدة خشام، لكن من غير المتوقع حدوث صدامات بينهما قبل الانتهاء من القضاء على تنظيم "داعش" في كامل محافظة دير الزور. كما لا تزال قوات "سورية الديمقراطية" تحاول طرد التنظيم من بلدة مركدة في ريف الحسكة الجنوبي، لكن مهمتها ليست بهذه السهولة، خصوصاً أن للتنظيم خط إمداد للبلدة من معاقله غربي العراق.
في غضون ذلك، تبدو المعارضة السورية المسلحة خارج "اللعبة" تماماً في محافظة دير الزور، إذ لم يُعطَ لها أي دور في استعادتها، سواء لقوات "النخبة السورية" التابعة لرئيس تيار الغد السوري أحمد الجربا والتي تضم مقاتلين من المنطقة الشرقية من سورية، أو لقوات "مغاوير الثورة" التي لم تشارك في المعارك.
وفي السياق، قال الملازم أول محمود الصالح، وهو قيادي في قوات المغاوير، إن هناك تنافساً روسياً أميركياً في محافظة دير الزور. وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعارضة من أبناء المنطقة الشرقية في الوقت الحالي ليست سوى حجر شطرنج بيد الأميركيين، والروس، والأكراد، والنظام. وأشار الصالح إلى أن "النظام استطاع تجنيد البعض من أبناء المحافظة بعد تقدمه إلى خط الشامية في دير الزور والخط الغربي، والبعض الآخر استقطبه من العاصمة دمشق"، موضحاً أن قوات "سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي "استقطبت الكثير من أبناء دير الزور في قتالهم لتنظيم داعش في (الجزيرة)، شمال نهر الفرات". وأعرب الصالح عن اعتقاده بأن مستقبل محافظة دير الزور "حسم منذ أشهر قبل خطة توجيه مقاتلي الجنوب إلى منطقة الشدادي". وبالنسبة إليه، فإن الحسم على الشكل التالي: الجهة الشرقية من النهر للنظام، والغربية للأكراد، وهو ما حدث فعلاً. وكانت الولايات المتحدة قررت نقل فصيل "أسود الشرقية" الذي يضم مقاتلين من محافظة دير الزور من جنوب سورية حيث كان يقاتل قوات النظام، إلى قاعدة في الشدادي، جنوب الحسكة، ولكن لم تزج به في قتال التنظيم في دير الزور. واعترف الصالح بأن المعارضة السورية المسلحة المحافظة على مبادئ الثورة السورية "خارج ما يجري في دير الزور تماماً في الوقت الحالي". وأضاف "أما من يتعاون مع النظام باتفاقيات، أو من يتعامل مع حلفاء النظام فلا يعتبر معارضة". ومن اللافت أن الولايات المتحدة الأميركية استبعدت المعارضة بشكل كامل عن معركة دير الزور، كما فعلت في معركة الرقة، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام عدم استقرار الأوضاع في شرقي سورية برمته. وتزداد المخاوف والهواجس على مستقبل منطقة عربية خالصة عانت على مدى سنوات من اضطرابات عسكرية وفكرية ضربت المنطقة وشردت أهلها، ويحمل النظام تجاهها "نوايا سيئة"، فهي من أوائل المناطق السورية التي خرجت عن سيطرته. كما أن هناك هواجس من تكريس وجود كردي في منطقة عربية ذات طابع قبلي غنية بالثروات الطبيعية، وهو ما يدفع باتجاه اشتعال نزاعات على أسس عرقية، ما لم يتم تسليم المنطقة لفصائل المعارضة السورية.