حتى الآن لم تعرف التهمة بعد ولا صاحبها، وكل ما تسرب في نهاية الأسبوع أنه طلب من هيئة المحلفين الموافقة على توجيه التهمة ففعلت، وبما أدى إلى تسطير الاتهام بأمر من القاضي الفيدرالي المختص، على أن يجري تنفيذه بإلقاء القبض في مطلع الأسبوع على الشخص الذي انتهك القانون.
وبذلك يكون مولر قد انتقل بالملف إلى طور جديد عملي من التحقيق والانكشافات والمحاكمات، وما قد تؤول إليه من نهايات مفتوحة على سائر الاحتمالات، وربما بلغت الهزات.
وقد أثار التكتم الصارم حول هوية المتهم الأول وذنبه القانوني التكهنات، وترجح التقديرات اسمين رئيسيين: بول مانافورت، المدير الأول لحملة ترامب الانتخابية، والجنرال مايكل فلين، مستشار الرئيس السابق، وكلاهما له علاقات واسعة وسابقة مع موسكو.
كما أن الاسمين تحوم فوقهما الشبهات بلعب دور هام في هذه القضية، إذ حمل مدى الشكوك "أف بي آي" على مداهمة شقة مانافورت بضواحي واشنطن عند الفجر في يوليو/ تموز الماضي، بهدف مصادرة وثائق متعلقة بالموضوع.
وكان هاتف المدير الأول لحملة ترامب الانتخابية تحت المراقبة بأمر قضائي، كما حملت هذه الشكوك المحقق مولر على مطالبة البيت الأبيض بمستندات تخص الجنرال فلين.
ومع ذلك يترك الترجيح مساحة للمفاجأة بخصوص المتهم، لكن الأهم من ذلك هو الخطوة وما تنطوي عليه من مدلولات.
فصدور أول مذكرة اتهام بعد خمسة أشهر فقط من انطلاق التحقيق الخاص بقضية من هذا العيار يشير إلى توفر مواد دسمة ساعدت على كشف مستمسكات قد تكون بمثابة أول الخيط الذي يقود إلى كشف المخفي من اللغز.
وعادة يستغرق سبر غور مثل هذه القضية مدة أطول، إذ في قضية ووترغيت، التي بدأت تتكشف في 1973، أخذت هيئة المحلفين حوالى سنة– حتى مارس 1974- لإصدار أول اتهام بحق سبعة من معاوني الرئيس ريتشارد نيكسون.
وكان لافتا، كذلك، أن البيت الأبيض لاذ بالصمت، ما عدا صدور تعليق موجز على خبر التهمة، ينفي وجود تواطؤ بين حملة ترامب والروس.
وربما يكون في هذا إشارة إلى احتمال أن تكون التهمة موجهة إلى مانافورت بتبييض الأموال، والتي لا علاقة لها بالتدخل في الانتخابات، مع أنها قد تقود إلى كشف بعض جوانب دور المذكور في هذا التدخل.
ويبقى الأرجح أن سكوت البيت الأبيض يعود إلى أن الملف صار بيد فريق محامي الرئيس، بعد أن دخلت القضية دائرة القانون والمحاكم، وبما يستدعي وقف تعامل الرئيس معها بلغة السياسة وتويتر، فالمسالة باتت جدية، وتستلزم الحذر البالغ في التعاطي معها.
المدلول الثالث أن القضية وصلت إلى منعطف قد يؤدي إلى ردود وأخذ إجراءات وتدابير "مانعة" من جانب البيت الأبيض، إذا ما شعر أن الرياح بدأت تنفخ في شراع المركب المؤدي إلى توسيع دائرة الاتهامات.
وهنا يجري استحضار سيناريو الرئيس نيكسون، الذي لجأ في لحظة تفاقم الأدلة على محاولته "إعاقة سير العدالة" في فضيحة ووترغيت إلى الإطاحة بوزير العدل ونائبه، لرفضهما إقالة المحقق الخاص، وجاء بوزير جديد تخلّص من المحقق.
هذه الخطوة انقلبت على نيكسون وأجبرته على الاستقالة، لكن ليس بالضرورة أن يتكرر السيناريو، فهذا سابق لأوانه، غير أنه خيار غير مستبعد نهائياً.
الفارق أن وزير العدل الحالي سبق وأعفى نفسه من ملف التدخل الروسي، الذي بات تحت إشراف نائبه رود روزنستاين. وهذا الأخير قد تعهد بحماية مولر طالما بقي يقوم بمهمته على الوجه المطلوب. وبالتالي فإن التخلص منه، بدون مبرر، من شأنه أن يزيد من انفضاح ما يمكن أن يكون في آخر المطاف بمثابة فضيحة.
ما لا شك فيه أن هذه القضية، التي تهدد بهزة في المشهد السياسي الأميركي، قد انفتحت صفحة جديدة من عملية تفكيكها؛ بعد سنة على انتخاب الرئيس ترامب.
ومن المتوقع أن تتوالى فصول هذا التفكيك في الأشهر القادمة، والكشف عن المتهم الأول غداً قد يلقي بعض الضوء على مسارها وآفاقها.