تحتدم الاشتباكات داخل مدينة الرقة، في محاولة من قوات، يشكل فصيل كردي عمادها ويدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، تعجيل الحسم بعد مضي أشهر على حملة عسكرية هدفها القضاء على تنظيم "داعش" في معقله، إذ تؤكد مصادر قيادية في هذه القوات أنها باتت على وشك إعلان "النصر" في مدينة يؤكد نشطاء أنها تحولت إلى أنقاض. في المقابل، تواصل قوات النظام السوري، المدعومة من الروس والإيرانيين، التقدم في مدينة الميادين، معقل التنظيم في ريف دير الزور الشرقي، في وقت يؤكد نشطاء أن ملامح مأساة إنسانية بدأت تظهر في هذه المحافظة، عنوانها البارز عشرات آلاف المدنيين النازحين بفعل المعارك والمجازر.
ودخلت معركة استعادة مدينة الرقة من "داعش" شهرها الخامس من دون حسم من قبل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، رغم القصف الجوي من طيران التحالف الدولي الذي أدى إلى مقتل وتشريد آلاف المدنيين وتحويل المدينة إلى أطلال. وتحصن مسلحو التنظيم، الذين يقدرون بالمئات، في عدة أحياء في قلب المدينة، معتمدين على هجمات معاكسة أدت إلى مقتل عدد كبير من مقاتلي "سورية الديمقراطية"، إذ لم يبق للتنظيم خيار آخر بعد محاصرة عناصره في بقعة جغرافية ضيقة، وفشل كل محاولات التوصل إلى تفاهم يتيح للتنظيم سحب مسلحيه إلى مواقعه في دير الزور. وأكدت جيهان شيخ أحمد، الناطقة الرسمية باسم "غضب الفرات" التي تقوم بحملة استعادة الرقة، أن مقاتلي "قوات سورية الديمقراطية" تمكنوا من تحرير 85 في المائة من مدينة الرقة، مشيرة، في بيان أمس الأحد، إلى أنها "ستزف للشعب السوري خبر تحرير مدينة الرقة في الأيام القليلة المقبلة، بعد أن ينتهي المقاتلون من تحرير ما تبقى من المدينة وتمشيطها وتنظيفها من الألغام".
وأكدت مصادر في "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، أن هذه القوات توجه ضربات وصفتها بـ"القاضية" لتنظيم "داعش" في أحياء النهضة، والحرية، والبريد، داخل المدينة، مشيرة إلى أن الاشتباكات تدور في محيط الملعب البلدي، والمستشفى الوطني، والحديقة البيضاء، حيث حفر التنظيم أنفاقاً تساعده في الدفاع عن آخر مواقعه في المدينة. وأشارت المصادر إلى أن قوات "قسد" أطلقت ما وصف بـ"الهجوم الأخير" على مسلحي "داعش" في الرقة. وكانت هذه القوات بدأت في السادس من يونيو/حزيران الماضي حملة واسعة النطاق لاستعادة مدينة الرقة، التي كانت أهم وأبرز معقل لتنظيم "داعش" في سورية. وتتهم "قوات سورية الديمقراطية" من قبل خصومها بأنها تريد الهيمنة على مدينة الرقة ذات الغالبية العربية المطلقة بعد طرد "داعش" منها، لكن قياديين في هذه القوات ينفون الاتهامات، ويؤكدون أنهم سيسلمون المدينة إلى مجلس محلي أشرفت "قسد" على تشكيله أخيراً.
وأدت الحملة على مدينة الرقة إلى كارثة على أكثر من صعيد، إذ يؤكد نشطاء أنهم وثقوا مقتل أكثر من 1500 مدني، أغلبهم أطفال ونساء، بقصف طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فيما يؤكد ناجون أن المأساة أكبر وأكثر إيلاماً، مشيرين إلى أن عدد القتلى "غير معلوم"، مؤكدين فناء عائلات بأكملها خلال شهور الحملة العسكرية. وأشار ناجون إلى أن المدينة "دُمّرت تقريباً، ولم تعد صالحة للعيش"، مضيفين أن "الرقة مدينة منكوبة، وبات الخراب السيد الآن". وتحدث نشطاء عن مقتل مئات المدنيين خلال الأيام القليلة الماضية بالقصف الجوي، إذ يعيد التحالف الدولي تطبيق سيناريو الموصل العراقية في الرقة. وفر عشرات آلاف المدنيين إلى مخيمات أقيمت على عجل في منطقة عين عيسى شمال الرقة، حيث يعيشون وسط ظروف إنسانية قاسية.
إلى ذلك، تواصل قوات النظام السوري تقدماً بدأته باتجاه مدينة الميادين جنوب شرقي مدينة دير الزور بنحو 45 كيلومتراً، مشيرة إلى أنها دخلت بالفعل المدينة التي تعد من أبرز معاقل "داعش" في ريف دير الزور الشرقي. ونقلت وكالة أنباء النظام "سانا" عن مصدر عسكري في قوات النظام قوله إن الأخيرة طوقت، مع مليشيات تابعة لها، عناصر التنظيم في مدينة الميادين، مشيراً إلى أنه "تم القضاء على أعداد كبيرة منهم"، زاعماً أن قوات النظام "وسعت من نطاق سيطرتها في محيط مدينة الميادين وداخل أحيائها بعد فرض السيطرة على المطار المهجور والمنطقة الصناعية وعدد من الأحياء الغربية". وأشار المصدر إلى أن قوات النظام سيطرت، أول من أمس، على قلعة الرحبة الأثرية وكتيبة المدفعية ومزارع الشبلي وسوق الهال وصوامع الحبوب جنوب غرب مدينة الميادين، التي تحولت إلى أهم معاقل "داعش" في سورية بعد أن انتقلت إليها قيادات بارزة في التنظيم مع اشتداد الضغط العسكري على مدينة الرقة التي كانت بمثابة عاصمة لـ"داعش" في سورية، مع بدء معركة استعادتها في يونيو/ حزيران الماضي. كما نقل التنظيم إلى الميادين عائلات قيادييه ومقاتليه، خصوصاً الأجانب منهم، من مدينة الرقة وريفها، مستغلاً حالة الفوضى التي أعقبت إشاعة انهيار سد الفرات في مدينة الطبقة قبل بضعة أشهر.
وفي السياق، أكدت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قوات الأخير مع القوات الرديفة والحليفة (تسمية يطلقها النظام على المليشيات الإيرانية) واصلت تقدمها صباح أمس الأحد على عدة اتجاهات ومحاور أخرى في دير الزور، مشيرة إلى أنه "تمت استعادة السيطرة على بلدة مراط الفوقا شرق نهر الفرات بعد تدمير آخر تحصينات تنظيم داعش فيها، وعلى أجزاء كبيرة من قرية حطلة تحتاني، وتابعت تقدمها باتجاه منطقة جسر السياسية في الجهة الشرقية من نهر الفرات بعد اشتباكات مع داعش". وأشارت إلى أن سلاحي الجو والمدفعية، التابعين لقوات النظام، دمرا مواقع محصنة لتنظيم "داعش" في مدينة الموحسن وقرى الجنينة والحسينية والحصان والبوليل والبوعمر وحويجة صكر، وأحياء الرشدية والحويقة والحميدية والعرضي والعرفي والعمال والشيخ ياسين وكنامات وخسارات وجسر السياسية. في غضون ذلك، أكد نشطاء، لـ"العربي الجديد"، وصول آلاف النازحين من ريف دير الزور إلى مناطق "درع الفرات" في شمال شرقي حلب في طريقهم إلى محافظة إدلب، مشيرين إلى أن آلاف المدنيين من المتوقع وصولهم خلال الأيام المقبلة مع اشتداد المعارك في دير الزور.