ولا تغادر طائرات الاستطلاع، المعروفة محلياً باسم "الزنانة"، سماء قطاع غزة منذ أكثر من أسبوعين، مع قيام المقاومة الفلسطينية أيضاً بخطوات فُهم منها أنها تتجهز لصد أي عدوان، أو أنّ لديها معلومات برغبة إسرائيل في شن حرب جديدة.
وأطلق منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوآف مردخاي، سلسلة من التهديدات ضد القطاع، وحركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، وذلك بعد مزاعمه بتحضير "الجهاد" لردٍ على قصف نفقها واستشهاد 12 مقاوماً نهاية الشهر الماضي على الحدود الشرقية لمدينة دير البلح وسط القطاع.
ووجه مردخاي تهديداً للأمين العام لحركة الجهاد، رمضان شلح، ونائبه زياد النخالة، ما اعتبرته الحركة "إعلان حرب"، مؤكدة في الوقت نفسه أنها ستعمل من أجل التصدي لها، ولن تتهاون في حماية شعبها وأرضها. كما هدد مردخاي "حماس" واعتبر أنها ستبقى مسؤولة عن أي عمليات من غزة.
ولحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بمردخاي، إذ زعم أنّ "هناك لعبة من أجل مهاجمتنا... سيكون لدينا يد قوية على كل من يحاول مهاجمتنا"، مشيراً إلى أنّ أي هجوم من غزة تتحمل مسؤوليته حركة حماس".
وذهبت التهديدات الإسرائيلية بعيداً بتحريض السكان الفلسطينيين على المقاومة، بزعم أنها تريد الحرب، وأنهم المتضرر الأكبر من أي حرب مقبلة.
ووفق مصادر "العربي الجديد"، فإنّ مصر التي قادت اتصالات عقب قصف الاحتلال لنفق المقاومة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تنجح في أخذ موقف نهائي من "الجهاد" بعدم الرد على العدوان. وفي حينه أبقت الجهاد الإسلامي على كل الاحتمالات للرد على العدوان، ولم تعط موقفاً نهائياً، لكل من اتصل بها طالباً التمهل قبل الرد على ما جرى.
ولم يتوقف التهديد الإسرائيلي لغزة، قبل قصف النفق أو بعده، مع قيام جيش الاحتلال بمناورات شبه يومية على الحدود مع القطاع، وتعزيز قواته بين الحين والآخر. وزاد الحديث الإسرائيلي عقب توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" عن صواريخ المقاومة وسلاحها وتجاربها في البحر والأنفاق الهجومية.
ويرصد المحلل السياسي، ثابت العمور، لغة تهديد ووعيد إسرائيلية مختلفة، وأشد حزماً وتكراراً، خصوصاً أنّ الاحتلال يعلم أنّ حركة "الجهاد" سترد على عملية قصف النفق، ويريد من تهديد "حماس" أنّ تضغط على "الجهاد" لتجمد الرد أو تتراجع عنه.
غير أنّ العمور يشير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّه لا يوجد طرف يريد الخروج للحرب الآن بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي لأنّ شن حرب على غزة في هذا التوقيت سيفسد كل الحسابات الإقليمية الحاصلة وسيؤجل المخططات الإسرائيلية. لكن هذا أيضاً لا يعني انتهاء أو انتفاء الحرب، وفق العمور، الذي يوضح أنّ الحرب واقعة ولو بعد حين، لكنها ستكون محكومة بمن سيقدم على وضع "صاعق التفجير، سواء المقاومة أو الاحتلال الإسرائيلي". ويبينّ أنه منذ توقيع المصالحة، ومنذ تحسين العلاقة بين "حماس" ومصر، باتت حسابات الحركة مختلفة والأهم أن حركة الجهاد وحدها من باتت في دائرة الاستهداف، لأنّ حساباتها ومحدداتها مختلفة تماماً وهي ليست طرفاً في المصالحة ولا في الحكومة ولا في الانتخابات.
وتبدو عملية استهداف النفق الأخيرة بمثابة اختبار إسرائيلي لحركة الجهاد الإسلامي، غير أنّ الحركة ميدانياً أثبتت قدرتها على ضبط النفس، وفي الوقت لم تُسقط حسابات الرد من أجندتها خاصة أنّ هناك اتفاقاً ضمنياً بين المقاومة والاحتلال وهو ضبط قواعد الاشتباك بمعنى المواجهة المحدودة وإسرائيل أخلّت بذلك عندما قصفت النفق، وفق العمور.
ووفقاً للعمور فإن الاحتلال أدرك أنه أخطأ بالتصعيد واستهداف النفق، لذلك قدم خطاباً تبريرياً كأنه يقول إنه لم يقصد استهداف قادة ميدانيين أو أنه لم يعلم بوجود هذا العدد في النفق، وأنه قام بقصف النفق داخل الأراضي المحتلة.
ويوضح العمور أنّ أحد أهداف الاحتلال من قصف النفق هو فرض واقع جديد، وإجراء تغيير في قواعد الاشتباك، ولكن مدى قدرته على ذلك محكوم برد المقاومة وتعاطيها مع الأمر، وحاليًا الكرة في ملعب المقاومة عموماً وسرايا القدس على وجه التحديد.
ولا يُخفي المحلل السياسي الفلسطيني استفادة إسرائيل من التحولات الإقليمية والعربية المتسارعة، خصوصاً التطبيع الذي تقيمه الدول والحكومات مع الاحتلال في الفترة الأخيرة، لتنفيذ مخططاتها التوسعية والاستعمارية وتوسيع قاعدة أصدقائها من العرب.