ظهور مفاجئ لجماعة "جند الإسلام": تعقيد المشهد في سيناء

13 نوفمبر 2017
قد يستغل الجيش المصري الخلافات بين الجماعتين(عبد الرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -
ينتظر المشهد في سيناء تعقيدات كبيرة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع تدشين جماعة "جند الإسلام" مرحلة جديدة من تواجدها باستهداف عناصر تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش". وأعلنت الجماعة استهداف عناصر من "ولاية سيناء"، بعد تكرار التعرض لـ"مناطق رباط الجماعة"، بحسب تسجيل صوتي حديث.
وتشكّلت في سيناء بعد ثورة 25 يناير، عدة مجموعات مسلحة خرجت من رحم تيار "السلفية الجهادية" المتأصّل منذ جماعة "التوحيد والجهاد"، وكان أبرزها جماعة "أنصار بيت المقدس"، قبل مبايعتها "داعش"، وتغيير الاسم إلى "ولاية سيناء". وكانت بعض المجموعات المسلحة تنفذ عمليات مسلحة من دون أن تعلن عن نفسها، لعدم لفت الأنظار إليها. وظهر اسم "جند الإسلام" بعد مبايعة "أنصار بيت المقدس" لـ"داعش" فجأة خلال عام 2015، إذ خرجت الجماعة بشريط مصور تعلن فيه استهداف مبنى الاستخبارات الحربية في رفح خلال عام 2013، فضلاً عن بعض العمليات الأخرى ضد قوات الجيش.

وكان لافتاً ظهور "جند الإسلام" بعد ظهور تنظيم "داعش" في سيناء، لإظهار معارضة بعض المجموعات المسلحة لهذا التواجد، وكنوع من الرد على ترويج عناصر "ولاية سيناء" بمبايعة أغلب المجموعات المسلحة لـ"داعش". واختفت جماعة "جند الإسلام" تماماً من مسرح الأحداث في سيناء، ولم يظهر اسمها مجدداً إلا العام الماضي بشكل مفاجئ، ولكن هذا الظهور لم يكن مرتبطاً بعمليات ضد الجيش وقوات الأمن. وكانت "العربي الجديد" كشفت في مايو/أيار من العام الماضي، تفاصيل الخلافات بين "ولاية سيناء" و"جند الإسلام"، خصوصاً مع إقدام الأول على ملاحقة عناصر الجماعة، واعتقال بعضهم ومصادرة أسلحتهم. وتوصل الطرفان حينها إلى اتفاق بعدم التعرض لبعضهما بعضاً، ولكن يبدو أن هذا الاتفاق لم يستمر، بعد إعلان "جند الإسلام" في تسجيلها الصوتي عن تكرار الاعتداءات ممن وصفتهم بـ"خوارج البغدادي". ويرى أنصار "ولاية سيناء" أن إعلان ما أسموه "الخلافة" تسقط معها كل التنظيمات، وبات لازماً على الجميع الالتحاق بما يصفونه بـ"ركب الخلافة".

وخلافاً لما أثير خلال الفترة الماضية، بانتهاء تواجد مجموعة "جند الإسلام" في سيناء، فهي عادت للظهور مجدداً. وقالت مصادر من سيناء، إن "جند الإسلام" فضّلت عدم الظهور منعاً لنشوب مواجهات مسلحة مع عناصر "ولاية سيناء". وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن الجماعة لم تخرج سابقاً من سيناء لكي تعود إليها، ولكن ظلت متواجدة ومتماسكة، وفضّلت الابتعاد عن مواجهة الجيش المصري لعناصر "ولاية سيناء".
وكان الغريب في التسجيل الصوتي للجماعة، هو أن عملية استهداف عناصر "ولاية سيناء" كان قبل شهر من تاريخ نشر التسجيل. وقد يكون هذا الظهور المفاجئ مرتبطاً بنشاطٍ لتنظيم "القاعدة" في مصر، خصوصاً بعد إعلان جماعة جديدة تدعى "أنصار الإسلام" مسؤوليتها عن اشتباكات الواحات.

ويُعتقد أن الجماعتين ترتبطان بتنظيم "القاعدة" على الأقل فكرياً، ولكن من دون الإعلان عن بيعة لزعيم التنظيم أيمن الظواهري. وتناقلت حسابات قريبة فكرياً من تنظيم "القاعدة" عبر تطبيق "تلغرام"، التسجيل الصوتي لـ"جند الإسلام"، وسط حفاوة باستهداف عناصر "داعش"، بما يشير إلى وجود ارتباط أو دعم هذه المجموعة لمواجهة التنظيم، في إطار الصراع الكبير بين "داعش والقاعدة".

وحاولت "جند الإسلام" تسويق نفسها في سيناء، عبر وصف عناصر "داعش" بـ"الخوارج"، واتهامهم باستهداف عوام المسلمين هناك، بما يستدعي مواجهتهم. وعلى الرغم من وقوع الاشتباكات بين "داعش" و"جند الإسلام" قبل شهر، لم يتضح رد فعل الأول، والذي ربما لم يرد لعدم فتح جبهة جديدة من المواجهات، خصوصاً مع تعرضه لضربات متلاحقة من قبل الجيش المصري.


وقال باحث في الحركات الإسلامية، إن ظهور "جند الإسلام" مجدداً في سيناء ينذر بتعقيدات كبيرة في سيناء خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع مواجهة الجيش وقوات الأمن تنظيمين الآن. وأضاف الباحث لـ"العربي الجديد"، أنه لا بد من مواجهة الجماعات المسلحة، وعدم انتظار خدمة من "جند الإسلام" لمواجهة "ولاية سيناء" لأنه في هذه الحالة ستحل الأولى مكان الثانية ونعيد المعاناة مرة أخرى.
وأشار إلى أن تنظيم "القاعدة" يحاول التواجد في مصر مجدداً من خلال استغلال تراجع تنظيم "داعش" في الدول التي يتواجد فيها، لافتاً إلى أن "القاعدة" يعتمد في الأساس على الحاضنة الشعبية وهي سر استمراره بشكل أكبر من "داعش". ورأى أن ظهور "جند الإسلام" ربما يكون مرتبطاً بإعادة ترتيب صفوفه والحصول على دعم وتمويل لكي يتمكن من مواجهة "ولاية سيناء".

وطرأ تحوّل جديد على المشهد في سيناء، بتحالف مفاجئ نشأ بين تنظيم "القاعدة" ومجموعات عسكرية تابعة لقبيلة الترابين ضد تنظيم "ولاية سيناء"، مما سيؤثر على الوضع العام في تلك المنطقة خلال الفترة المقبلة، ويزيد الضغط على "داعش". وأعلن التحالف الجديد عن نفسه بهجوم نوعي استهدف قوة للتنظيم في منطقة النقيزات جنوب مدينة الشيخ زويد، في كمين محكم نصبه مقاتلون من تنظيم "القاعدة" والترابين. ووفقاً لمصادر قبلية، فإن الهجوم أدى إلى مقتل ثمانية من أفراد "داعش" وإصابة آخرين. وأوضحت المصادر ذاتها لـ"العربي الجديد" أن التحالف تمكّن في هجومه الأول من نوعه من الاستيلاء على أربع سيارات دفع رباعي، فيما خسر ثلاثة من عناصره في الهجوم الذي استمر ساعة، كما أصيب عدد آخر بجروح متفاوتة. وأشارت المصادر إلى أن قوة الهجوم الذي شنّه التحالف كانت في عنصر المفاجأة لتنظيم "داعش"، من حيث الجهة المهاجمة، إذ لم يكن بحسبان التنظيم سعي "القاعدة" إلى التحالف مع مجموعات الترابين، عدا عن أن مكان الهجوم يعتبره "داعش" آمناً له.

وتعليقاً على ذلك، قال أحد مشايخ سيناء البارزين لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "القاعدة" المتواجد في سيناء منذ سنوات طويلة، تعرض لمضايقات كبيرة من قبل "داعش" خلال العامين الماضيين، ولمحاولات إيذاء لأفراده بشكل متكرر. وأضاف: "يبدو أن كبار تنظيم القاعدة قرروا التصدي لمضايقات داعش، عبر التحالف مع المجموعات العسكرية التابعة لقبيلة الترابين والتي أسسها سالم أبو لافي الذي قتل على يد تنظيم داعش في إبريل/نيسان الماضي الذي شهد اشتباكات غير مسبوقة بين الطرفين". وأكد أن هذا التغير في المشهد، قد يحدث ضغطاً على "داعش"، في حال استغلال الأمن المصري لهذا التحالف الجديد، بدعمه عسكرياً أو إفساح المجال أمامه لحرية العمل، في ظل إعطائه مساحة واسعة لمجموعات الترابين في التحرك في مناطق جنوب رفح والشيخ زويد.

وكان تنظيم "القاعدة" في سيناء قد أعلن عن ارتباطه رسمياً بالتنظيم الأم في أفغانستان، في يناير/كانون الثاني 2012، حين أصدر بياناً باسم "أنصار الجهاد في سيناء" بايع فيه زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري على السمع والطاعة. وفي وقت سابق كان يعمل التنظيم تحت ما يعرف باسم "تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة- كتائب الشهيد عبد الله عزام" والذي أعلن مسؤوليته عن تفجيرات في شرم الشيخ وطابا في أعوام 2004 و2005، والتي أدت لمقتل وإصابة العشرات، حيث كان وقتها الارتباط بتنظيم "القاعدة" فكرياً لا تنظيمياً.