وأعلن مجلس الدولة الأعلى في طرابلس، الخميس الماضي، عن رفضه للمقترح معتبراً أنه أغفل ضرورة مشاركة مجلسي النواب والدولة في اختيار الشكل الحكومي الجديد.
وتقدم سلامة بمقترحه مطلع الأسبوع الماضي لممثلي طرفي الأزمة في البلاد، مجلسي الدولة والنواب؛ القاضي بحلحلة الخلافات حول هياكل السلطة السياسية وتأجيل الحديث عن الأجسام العسكرية المرتبطة بالمادة الثامنة، التي تعتبر العرقلة الأولى والحقيقية لتنفيذ الاتفاق السياسي.
ودافع سلامة في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، مساء الخميس الماضي، عن خطته المعلنة في العشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، ذات المراحل الثلاث، التي أكّد أنها قطعت أشواطاً في سبيل إنهاء الخلاف الليبي.
وقال سلامة في الإحاطة إنّ "خطة الأمم المتحدة لاستئناف العملية السياسية في ليبيا تقدمت خطوات هامة وملحوظة في الشهرين الأخيرين"، مشيراً إلى أنّ المؤتمر الوطني الجامع لكل الأطراف الليبية سينعقد خلال فبراير/شباط المقبل، ضمن استئناف العملية السياسية المتعثرة في البلاد.
لكنّ خبراء ليبيين شككوا في إمكانية قدرة كسر مقترح سلامة للجمود السياسي الحالي في البلاد، معتبرين أنّه لا يمكن الوصول إلى تسوية سياسية قبل حلحلة مسألة المادة الثامنة من الاتفاق السياسي المتعلقة بمناصب العسكريين والأمنيين.
وقال محلل سياسي ليبي، سالم الجدايمي، إنّ الخلافات في كواليس لقاءات لجنة الصياغة المشتركة في تونس لم تكن حول شكل الهياكل السياسية، بل كانت حول أشخاص لتولي كراسي هذه الهياكل بغية السيطرة على القرار المتعلق بإنشاء إدارة لمؤسسة الجيش.
وأوضح الجدايمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الطرفين أنهيا من الاتفاق تأسيس مجلس رئاسي جديد، وحكومة منفصلة عن المجلس الرئاسي، واتفقوا على أن تؤول قيادة الجيش للسلطة المدنية السياسية".
وتابع "من هنا بدأ الخلاف، فمجلس النواب وداعمو اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يطالبون بضرورة أن تكون لهم الأغلبية في كراسي المجلس الرئاسي الجديد، الذي سيتولى منصب القائد الأعلى للجيش الذي سيتولى تعيين شاغلي المناصب العسكرية، وعلى رأسها قيادة الجيش وهو ما يرفضه مجلس الدولة المناوئ لحفتر، مطالبا بأن يكون شغل تلك الكراسي بتساو بينه وبين مجلس النواب".
التسويات تتوقف عند حفتر
وأضاف أن "كل مشاكل التسويات تتوقف عند حفتر، وتمسكه بمنصب قائد الجيش والأطراف الدولية التي فضلت السكوت تعرف ذلك، بما فيها الأمم المتحدة، وبالتالي فلن تكون هناك أي تسوية أو تقدم في المفاوضات دون وجود حفتر أو إزاحته كلياً".
وبينما يتفق الخبير الأمني والعقيد السابق في الجيش الليبي عبد الرؤوف مهنا، مع رأي الجدايمي، إلا أنه يرى أن المجتمع الدولي فضل دعم مسار المفاوضات الجارية في القاهرة، والتي تجمع منذ شهر تقريباً قادة من الجيش في المنطقة الشرقية موالين لحفتر وضباط من غرب البلاد، لا سيما من البنيان المرصوص للنظر في كيفية توحيد الجيش".
وتابع: "المقترحات التي نوقشت في القاهرة تجعل من حفتر شريكاً في مجلس عسكري وهو ما لم يقبله، كما أن القبول به قائداً للجيش، لكن تحت سلطة مطلقة لحكومة مدنية، أمر لم يقبله"، معتبراً أن المجلس الرئاسي وخصوم حفتر في غرب البلاد اتجهوا إلى تغيير خارطة موازين القوى للضغط على حفتر.
وأضاف: "لقد حجم خصوم حفتر من طموحه في الوصول إلى العاصمة، أخيراً، حيث تم اكتساح منطقة ورشفانة المتاخمة لغرب العاصمة، والتي تتوفر على مؤيدين له من قبل قوات يترأسها خصمه العسكري أسامة الجويلي، المعين قائداً للمنطقة العسكرية الغربية من المجلس الرئاسي، كما أن مساعيه في ضباط صبراته وصرمان في غرب البلاد، أصبحت متعذرة بعد اتصالاتهم الأخيرة بالمجلس الرئاسي"، مرجحاً أن "هذه التغيرات الجديدة ستثني حفتر عن مواقفه المتصلبة ويتجه للقبول بمنصب الشريك في مؤسسة الجيش".
وأوضح أنّ "حتى القلاقل الأخيرة في بنغازي، والتي كان آخرها نجاحا وشيكا لوكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق فرج قعيم، في قلب المشهد على حفتر ستؤثر بشكل كبير في ثقة الأخير في ضباطه والموالين له في شرق البلاد، مما قد يحدو به للقبول بمنصب الشريك تحقيقاً لجزء من طموحاته التي فشل في الوصول إليها عبر كل هذه السنين".
واعتبر أنّ مقترح سلامة بتجاوز الحديث عن المشكل العسكري والذهاب إلى الحديث عن تشكيل هياكل سياسية رسالة ضمنية من المجتمع الدولي لحفتر، بأنه قد تجاوزه ولا بد له من القبول بخصومه كشركاء له، وأن المجتمع الدولي يرفض انفراده بقيادة الجيش.
ولا يبدو أن دول الجوار الليبي، ومن بينها مصر الداعمة لحفتر، تثق في مقترح سلامة ومساعيه الأخيرة، فبيان اللقاء الأخير الذي جمع وزراء خارجية دول تونس والجزائر ومصر في العاصمة التونسية، الأربعاء الماضي، دعا بكل صراحة إلى القفز إلى المرحلة الأخيرة من خطة سلامة بالذهاب إلى مرحلة الانتخابات.
وبحسب البيان، فإنّ الوزراء الثلاثة شددوا على أهمية عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية وإنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا، وتجنب حدوث فراغ سياسي أو أمني قريباً، مما يشير إلى عدم ثقة الدول الثلاث في الاستمرار في مسار التفاوض السياسي الجاري بين طرفي الأزمة.
حل سياسي للأزمة
في المقابل، تتمسك تونس التي دخلت إلى خط الأزمة الليبية، بمقترح سلامة، إذ أكد وزير الخارجية التونسية، خميّس الجهيناوي، في حوار صحافي أن "هناك أطرافاً داخل ليبيا وخارجها تعتقد باللجوء إلى الوسائل العسكرية، ولكن نعتقد أن الحلّ في ليبيا لا يمكن أن يأتي إلا بالحوار والتوافق بين الليبيين". الجهيناوي نفسه، أكد لدى حضوره في البرلمان التونسي، الجمعة، أن "ليبيا أصبحت ملهاة في يد الإرهابيين الفارين من بؤر التوتر من المشرق العربي، بالتزامن مع وضع معيشي صعب".
وقال إن بلاده تكثف جهودها لدعم سلامة لتنفيذ خطة السلام المتفق عليها في نيويورك في شهر سبتمبر/أيلول، وهي خطة بثلاث مراحل أولها تعديل الاتفاق السياسي ثم تنظيم مؤتمر وطني في ليبيا يجمع كل الأطراف، بما فيها تلك التي لم تشارك في اتفاق الصخيرات، وتنتهي بإعداد الانتخابات التي ستمكن الشعب الليبي من اختيار من يقوده في الفترة القادمة.
وذكر الجهيناوي أن تونس هي البلد الوحيد الذي يترك حدوده مفتوحة مع ليبيا خلافا لبقية جيرانها الخمسة، ولكن الأمر أصبح مكلفاً وباهظاً، من خلال دعم قوات الجيش والأمن للحفاظ على أمن التونسيين، وهو يتم في جزء منه بمساعدة الدول الشقيقة والصديقة التي تمكن تونس من تجهيزات لمراقبة حدودها.
هذه القراءة التونسية للأحداث تطلبت تحركات على أكثر من مستوى لحلحلة الوضع والعودة إلى مسار التفاوض، وتدرك تونس أن الحل في جزء كبير منه يمر عبر إقناع المجتمع الدولي بالضغط على الفرقاء الليبيين للعودة إلى طاولة المفاوضات، خصوصاً إذا تبنته دول الجوار، وهو ما سعت إليه في الاجتماع الأخير بالقاهرة في انتظار اللقاء المقبل في تونس