اعتمد اللواء المتقاعد خليفة حفتر على عدة عناصر وعوامل استخدمها في حراكه العسكري في شرق البلاد، كان من أبرزها استثمار العامل القبلي المترابط والمؤثر في شرق ليبيا للسيطرة على أغلب أجزائه، غير أن بعض القبائل قد عاداه، وحاول بعضها دعم ضباط ومسلحين لتنفيذ انقلاب عليه في بنغازي، قبل أن يفشله الجمعة الماضية بقوة السلاح.
ويبدو أن حفتر تفطن مسبقاً لإمكانية انقلاب القبائل عليه، فعول على عنصر آخر بدت مظاهره بالانتشار، متمثلاً في التيار المدخلي السلفي المدعوم من حلفائه في المملكة السعودية، التي تؤوي الشيخ ربيع المدخلي أكبر شيوخ هذا التيار، والذي سبق وأن أفتى لأتباعه بضرورة القتال في صفوف قوات حفتر باعتباره قائد قوات مجلس النواب الشرعي في البلاد، على حد وصف المدخلي.
وأتاح حفتر سريعا المجال لأتباع هذا التيار ومكنهم من السيطرة على المنابر والمساجد، وكون لهم هيئة للفتوى، بعد أن شرع وجودهم المسلح ضمن كتيبة اشتهرت باسم "كتيبة التوحيد" في بنغازي.
ورغم مضي أكثر من عامين على ظهور هذا التيار في شرق البلاد، وتمكنه من حمل السلاح، إلا أن قادته وكتائبه لم يظهروا إلى العلن، لكنهم يبدون القوة الأكبر تأثيرا في مجريات الأحداث، خاصة مع تزايد تعويل حفتر عليهم.
ويعتبر التيار المدخلي من أبرز التيارات الدينية في البلاد وأكثرها انتشارا، ومن المرجح أن حفتر يعول على استخدامه لمد نفوذه إلى مناطق أخرى في غرب البلاد، كطرابلس التي يسيطر على جزء كبير منها الملازم عبد الرؤوف كاره، قائد قوة الردع الخاصة التي لم يعد لها منازغ في السيطرة على وسط المدينة والمطار والميناء، وأغلب الأماكن الحيوية، وهي قوة لا يخفي مقاتلوها ولا قائدها انتماءهم للتيار المدخلي، كما أن قائد مليشيات بوسليم، غنيوة الكللي، التي تسيطر على أجزاء واسعة أيضا من العاصمة، من أتباع هذا التيار أيضا، ولديه خلافات عميقة مع الزنتان، المدينة القوية غرب البلاد، والتي عارضت حفتر ووالت مؤخرا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بطرابلس.
وبرز التيار المدخلي بقوة مؤخرا في مصراته أبرز وأقوى المدن المعارضة لحفتر، حيث اتهمت قيادات معارضة لحفتر المداخلة بتنفيذ عمليات قبض واختطافات في صفوف مقاتلي وقادة سرايا الدفاع عن بنغازي المقيمين في مصراته، بل وتورطهم في تصفية "محمد باكير" القيادي بالسرايا في سجنه في السادس من الشهر الجاري، بعد اختطافه من قوة من قوات المداخلة الذين باتوا يسيطرون على مجموعات مسلحة بارزة في المدينة.
وبرزت علاقة قادة هذا التيار ومسلحيه بالاغتيالات والاختطافات بعد أن أعلن وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق، فرج قعيم، قبضه على الشيخ قجة الفاخري، وإيداعه سجن الكويفية في بنغازي، لتورطه في تنفيذ مذبحة الأبيار في بنغازي الأسبوع قبل الماضي، والتي راح ضحيتها 38 مدنيا وجدت جثثهم ملقاة في قارعة أحد طرقات المنطقة.
وإثر هذا الإعلان، أفادت أنباء مؤكدة أن صدام وخالد نجلي خليفة حفتر، قادا هجوماً مسلحاً على السجن تمكنوا خلاله من افتكاك الشيخ قجة، والفرار به لإخفاء الأدلة على تورط قوات حفتر في المذبحة.
ويرصد "العربي الجديد" في هذا التقرير، أبرز قادة تيار المداخلة المتورطين في عمليات القتل والتصفيات والاختطافات من المقربين من حفتر:
الشيخ قجة الفاخري
ينحدر من مدينة أجدابيا وعاش في بنغازي، وظهرت انتماءاته للمداخلة منذ أكثر من عقد، ويؤكد أقرباء الشيخ قجة أنه كان من دعاة طاعة ولي الأمر أثناء ثورة فبراير، التي أطاحت بحكم معمر القذافي، حيث كان المداخلة ينادون بعدم الانخراط في الثورة وأن القذافي ولي أمر البلاد الشرعي، لكنه تحول إلى صفوف القتال إبان دعوة الشيخ ربيع المدخلي من السعودية أتباعه في ليبيا للقتال في صفوف حفتر.
يقول أحد العارفين بقجة إنه شارك في قتال مسلحي مجلس شورى بنغازي، وبرز كمتشدد في القتال منذ منتصف العام الماضي، حيث كلف نهاية العام الماضي بإمرة قوة سلوق في بنغازي، التي يتكون أغلب مقاتليها من أتباع هذا التيار، قبل أن يبرز اسمه حيث قبض عليه قعيم منتصف الأسبوع الماضي، وأودعه السجن على خلفية تورطه المباشر على رأس قوته في تنفيذ مجزرة الأبيار، والتي يبدو أنها كانت بأمر مباشر من حفتر، كما تشير العملية التي قادها نجلاه "صدام وخالد" لإخفاء الأدلة قبل التحقيق معه.
محمود الورفلي
يعد من أبرز قادة تيار المداخلة في صفوف قوات حفتر، وهو ضابط وقيادي في القوات الخاصة ومطلوب دولياً من قبل محكمة الجنايات الدولية بعد تورطه في جرائم حرب وقتل وتصفيات لم يخفها، إذ كان يقوم بتصويرها ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي.
وأفصح عن انتمائه للتيار المدخلي من خلال تلاوته لنصوص من كتب ومصادر التيار، خلال مقاطع الفيديو لعمليات القتل والتصفية.
الملازم أحمد عبد الرزاق غرور الحاسي
آمر فرقة القبض الخاصة، المشكلة من قبل قيادة حفتر. وهو شاب في منتصف الثلاثينات من عمره. ينتمي للتيار السلفي المدخلي بل ومن منظريه، ومن أوائل المدافعين عن وجوده في شرق البلاد، اتهم من قبل عدد من قيادات حفتر والسياسيين الموالين له بالتورط في عمليات اختطاف وتصفيات، أبرزها اتهامه من قبل وزير داخلية حكومة البرلمان عمر السنكي، المختطف مؤخرا منذ يومين، في يناير 2015، باختطاف وكيل وزير الخارجية حسن الصغير، ووكيل وزارة الدفاع مسعود ارحومة.
نقل السنكي، في تصريحات صحافية في ذات التاريخ، عن مدير أمن البيضاء، أن "الحاسي نفذ أوامر حفتر في هذه العملية"، وأضاف السنكي بأنه مهدد بسبب كشفه عن عمليات جنائية متعلقة بالقتل والاختطاف.
وفي آب/ أغسطس من العام نفسه، كشفت عائلة آمر محور عين مارة العقيد سعد عقوب، التابع لحفتر، لصحيفة "بوابة الوسط"، تفاصيل استدعاء حفتر لعقوب إلى قاعدته في المرج، واختفائه كليا عند وصوله إليها على يد الحاسي، بسبب معارضته لبعض عمليات حفتر.
واتهم الحاسي صراحة من قبل فرج قعيم، آمر قوة المهام الخاصة التابعة لحفتر، في تسجيل مصور مسرب أمام زعامات قبلية، بتنفيذه لعمليات اغتيال وتصفية بأوامر من حفتر ورئيس أركانه عبد الرزاق الناظوري، وأنه عمل على تصفية معارضيه، ومنهم الملازم علي بو عمران العرفي، والعقيد المهدي البرغثي وزير دفاع حكومة الوفاق، واقتحام مزرعة العقيد فرج البرعصي في فبراير الماضي.
ونقل المركز الإعلامي لمدينة البيضاء عن مصادره، تورط الحاسي في تفجيرات بمدينة البيضاء، أمام مبنى البنك المركزي ومبنى لجنة صياغة الدستور.
ومن آخر عمليات الحاسي، اختطاف العميد عبد الله مسعود العبيدي، آمر عمليات غرفة التحرير في البيضاء، إبان الثورة 2011، في شباط/ فبراير الماضي، بسبب معارضته لسياسة حفتر، حيث أطلق سراحه، على خلفية ضغوط اجتماعية ومساومات جرت في الخفاء مقابل سكوته.
قتل منتصف مارس الماضي في ظروف غامضة، حيث أعلنت بعض وسائل الإعلام خبر مقتله دون تفاصيل عن مكان مقتله أو أسبابه.
أشرف الميار
ملازم بالجيش ومنخرط في التيار المدخلي، يعتبر المؤسس الأول لأولى كتائب السلفية بقوات حفتر، والتي اشتهرت بكتيبة التوحيد منتصف العام الماضي، ونشرت فروعاً لها في بنغازي وأجدابيا.
الميار والي حفتر منذ الأيام الأولى لانطلاق عملية الكرامة، واشتهر بوصف "مفتي حفتر" لدعواته المتتالية للسلفيين بالانضمام لحفتر، قبل أن يؤسس مع أتباعه كتيبة التوحيد التي تعتبر اليوم من أهم كتائب حفتر المتنقلة في أغلب المدن التي يسيطر عليها، حتى وصل مقاتلوها مؤخرا إلى الجفرة وسط جنوب البلاد.
ويعتبر الميار من المقربين لشيوخ التيار المدخلي بالسعودية، حيث استضاف وأمن مجيء أبرز شيوخ هذا التيار وهو الشيخ أسامة عطايا العتيبي، الذي زار أغلب المدن التي سيطر عليها حفتر في يناير من هذا العام، لزيادة التأييد والحشد في صفوف الشباب لقوات حفتر.
ومكّن حفتر المداخلة من تولي العديد من المناصب في الجيش، كتولي "العقيد ميلود الزوي" المدخلي البارز، مهمة الناطق باسم القوات الخاصة في بنغازي، والرائد علي الثابت كناطق باسم قوات البحرية في بنغازي، والملازم محمد البوعيشي كآمر لقوة مكافحة الإرهاب في أجدابيا.