في رده على العملية الإرهابية التي وقعت في نيويورك، قال السناتور الجمهوري لاندسي غراهام إن "ما يعجبني في الرئيس ترامب هو فهمه بأننا في حرب دينية"!، وهو بذلك يقول ضمناً إن أميركا في حرب مع المسلمين، أو هذا ما يفهمه الأميركي العادي.
لو صدر مثل هذا الكلام عن سياسي من الدرجة الثانية، أو عن معلق أو مراقب عادي من المتشددين الأميركيين، لما كان فيه ما يستدعي التوقف عنده، فهذه لغة سائدة في أوساط هذا الفريق وقواعده التي تطرب لهذه النغمة. لكن أن يصدر عن عضو بارز في مجلس الشيوخ، وأحد أركان الغالبية الجمهورية فيه، والمفترض أن يكون مسؤولاً عن تداعيات وعواقب ما يدلي به، عندئذ يصبح للكلام وقعه الخطير، الذي لا يقل عن صبّ الزيت على النار، خاصة في ساحة مشحونة بما فيه الكفاية بالإسلاموفوبيا.
صحيح أن لاندسي محسوب في الشأن الخارجي على خانة الصقور الذين اغتنموا دائماً فرصة وقوع مثل هذه الأعمال الإرهابية لشد عصب قواعدهم الانتخابية؛ لكن السناتور ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، وبدا حريصاً على التغريد باللهجة نفسها التي تحدث بها الرئيس ترامب في رده على الجريمة.
ترامب سارع إلى توظيف العملية من موقع التفريق والتأكيد على مقاربته المتشددة لموضوع الهجرة، وبما انطوى على التذكير المبطن بخطابه الانتخابي الذي دعا فيه إلى "منع المسلمين كلياً من دخول أميركا وإلى حين"، ثم بقراره الرئاسي الذي منع سفر مواطني ست دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، والذي تصدى له القضاء وأوقف مفعوله، وإلى غاية بت المحكمة العليا بأمره.
والمعروف أن المحافظين الذين ارتاحوا لخطاب الرئيس بشأن الهجرة، كانوا قد بدأوا الترويج لحمل الكونغرس على سن قانون يلغي "برنامج التنويع" الذي يمنح الإقامة بالقرعة لخمسين ألف أجنبي من مختلف البلدان سنوياً– وهو البرنامج الذي نال الإرهابي الأوزباكي بطاقة إقامته على أساسه. كما سبق ودعوا إلى خفض الهجرة وعدد اللاجئين بنسبة 50%، في غضون عشر سنوات. ومن المتوقع أن تنال هذه الدعوات المزيد من الزخم بعد حادثة نيويورك.
ما لا شك فيه أنّ رد الرئيس وأنصاره في الكونغرس والإعلام على ما جرى في نيويورك، الثلاثاء، رفع من منسوب النفور والتوجس إزاء المسلمين، ليس لجدارة حيثيات هذا الخطاب، لكن لأن البيئة جاهزة وقابلة لاحتضان مثل هذا الضخ التحريضي، خاصة في صفوف وقواعد ونخب المحافظين.
في المقابل، كانت هناك ردة عارمة تصدت لتعامل الرئيس والمحافظين مع العملية. وقد شارك فيها بعض الجمهوريين، مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور بوب كوركر، الذين استشعروا خطورة خطاب التعميم وما ينطوي عليه من استعداء لكافة المسلمين في العالم.
ومن هذا المنطلق، ارتفعت أصوات كثيرة لتذكر وتحذر من أن أميركا "ليست في حرب مع المسلمين"، ولا يصح أن تكون في هذا الموقع.
صدر مثل هذا الاستدراك عن جهات رسمية، مثل حاكم ولاية نيويورك، آندرو كومو، كما عن عمدة المدينة، بيل دي بلازيو، وأيضاً عن نائب قائد شرطة بها.
كذلك برز مثل هذا التصدي في وسائل الإعلام، ما عدا القلة المحافظة منها، والتي سارعت أقلامها المتعقلة إلى تطويق لغة وإيحاءات التنفير والتأليب والمتاجرة السياسية، من خلال التركيز على الفصل بين "القتلة" وبين الأديان، "لأن الله يدعو إلى المحبة والسلام وليس إلى القتل كما أفهم من قراءتي للإنجيل والقرآن"، كما قال كريس كور، أحد المعلقين في محطة الراديو دبليو تي أو بي، الأكثر شهرة في منطقة واشنطن وضواحيها.
أهمية مثل هذه الأصوات المؤثرة أنها تخفف وتكبح من اندفاع التحريض، لكنها لا تقوى على إحباطه، لأن المناخات ملائمة له وتغذيها العمليات الإرهابية من حين لآخر.
وهذه المناخات تتعرض للكثير من الحقن في الوقت الراهن، ومن غير مجازفة يمكن القول إنها قادمة على المزيد من الشحن في ظل الأجواء الحالية التي تعيشها أميركا، خاصة إذا وقع المزيد من العمليات الإرهابية.