وسبق أن زار ماكرون الجزائر، حين كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية، وأدلى بتصريحات سياسية مفادها أن "الاستعمار يشكّل جزءاً من التاريخ الفرنسي، وأنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، وبربرية حقيقيّة".
وأثارت تلك التصريحات وقتها ارتياحاً لدى الشعب والطبقة السياسية في الجزائر، وبشّرت بمستقبل واعد للعلاقات بين البلدين، في مختلف الميادين، ما سيتيح تسوية كثير من القضايا العالقة، ويتيح التوقيع، أخيراً، على اتفاق شراكة كان يأمل فيه كل رؤساء فرنسا السابقون، خاصة جاك شيراك، ونيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، من دون جدوى.
غير أن الظروف الصحية الحرجة التي يمر بها الرئيس الجزائري (80 عاماً) "المجاهد العجوز" (كما كتب جان - لويس تريمبلي، في المجلة الفرنسية الأسبوعية "لوفيغارو ماغازين")، وتجعله سجين قصر المرادية، قد تكون عائقاً، بعض الشيء، في وجه اللقاء مع شاب تكنوقراط.
ولا تشك "لوفيغارو"، للحظة، في أن يكون الاستقبال حافلاً، خاصة أن بوتفليقية هنّأ، بحرارة، ماكرون، باعتباره "صديق الجزائر" بعد انتخابه.
وتتساءل المجلة الفرنسية اليمينية، التي انتقدت حينها تصريحات المرشح إيمانويل ماكرون، على اعتبار أن ليس لفرنسا أن تقدّم أي اعتذار عن تاريخها، عن الهدف من زيارة ماكرون، قائلةً: "هل يتوجه إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط من أجل إصباغ الطابع الرسمي على اعترافه بالذنب؟ أم تنظيف المستقبل والعثور على مُحاوَرين بنّائين؟"، لافتةً إلى "أن السؤالين اللذين يتبادران إلى أذهان الجزائريين، حالياً، هما: هل الرئيس بوتفليقة يوجد في حالة تسمح به بإدارة شؤون البلاد، ومن سيخلفه؟".
وإذا كان ثمة من "يتحرّك في الكواليس"، كما تقول "لوفيغارو ماغازين"، من أجل التخلص منه والحلول محله، إلا أن الأمر صعب، نظراً لأنّ "المؤسسة العسكرية الجزائرية، المدافعة عن الشرعية وتوجد في داخلها عناصر من حزب الرئيس، جبهة التحرير الوطني، ليس في واردها استخدام القوة".
وتعلل أيضاً بـ"أن الذين يفكرون في اللجوء إلى البند 102 من الدستور الجزائري الذي يقرّ عزل الرئيس في حال مرض خطير ومستدام، يصطدمون بحقيقة أن القضاة الاثني عشر في المحكمة الدستورية، الذين لهم وحدهم صلاحية الحكم على عجز الرئيس، موالون جميعاً للرئيس ويطيعونه طاعة كاملة وعمياء".
وتستحضر المجلة الفرنسية فرضية نقل المشعل، بتخطيط القمة، وبموافقة الرئيس، وهنا تطرح احتمالين اثنين، وهما بحسب المجلة الفرنسية، أولاً "أن يتولى السلطة أحد الاثنين، سعيد بوتفليقة، الأخ الأصغر للرئيس، أو شكيب خليل، وزير سابق للطاقة"، غير أن المجلة سرعان ما تستدرك قائلة إنّ "الصراع بين الرجلين على أشده. ما هو المخرج؟".
وعلى الرغم نت كل الفرضيات ترى المجلة الفرنسية أن مرحلة ما بعد بوتفليقة لا تُثير قلقاً لدى المراقبين. وتعزو السبب إلى طبيعة الرئيس بوتفليقة، الذي، وإن كان لا يختلف عن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي أو الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي؛ وذلك من حيث بعده عن أن يكون نموذجاً للديمقراطية والالتزام بالقانون، إلا أنه، على الأقل، يمتلك ميزة الحفاظ على وحدة بلده.
وفي هذا الصدّد، تستشهد المجلة الفرنسية بتقرير سابق لمجلة "سبكتاتور" البريطانية، تنبأت فيه، قبل سنة، بانفجار داخلي محتمل في الجزائر بعد غياب بوتفليقة، وباستغلال الإسلامويين للفراغ، إضافة إلى نشوب حرب أهلية ستولّد عدداً كبيراً من اللاجئين، قدّرتهم المجلة البريطانية، نقلاً عن محلل للوضع، ما بين 10 و15 مليون جزائري سيحاولون مغادرة البلاد.
وتعقب "لوفيغارو ماغازين"، التي كثيراً ما نشرت على صفحاتها مقالاتٍ عن تهديد المهاجرين واللاجئين لاستقرار فرنسا وعيش الفرنسيين، على هذه النبوءة، بالقول: "إذا كانت زيارة ماكرون للجزائر هي من أجل نزع فتيل قنبلة موقوتة، فإن هذه الزيارة لن تكون عقيمة".