انتقل الحديث عن الخلل الأمني المصري في شمال سيناء، بتفسيراته المختلفة، وملابساته المتعددة، إلى مرحلة أكثر خطورة، مساء الثلاثاء، بعد استهداف مباشر لوزيري الدفاع، صدقي صبحي، والداخلية، مجدي عبدالغفار، بقذيفة قتلت مدير مكتب، وقائد طائرة صبحي، في مطار العريش. ورغم اختلاف التفسيرات بين حدوث اختراق في المنظومة الأمنية، أو الإشارة من بعيد لأسباب أخرى لم تتضح حتى الآن، وربما لن تظهر خلال سنوات، تبدو النتيجة واحدة، وهي أنه ليس بوسع النظام المصري الحديث عن سيطرته التامة على الأوضاع الأمنية في الحدود الشرقية لمصر.
وفي هذا السياق، يتساءل مراقبون عن سماح النظام المصري بتكرار تجربة وضع قيادات عسكرية هي الأرفع في مكان واحد، وفي ظل هذه الظروف، مستذكرين حادث سقوط طائرة وزير الدفاع الفريق أحمد بدوي، في 2 مارس/ آذار 1981، في صحراء سيوة، على الحدود الغربية لمصر، فلقي مصرعه على الفور، ومعه 13 من أهم قيادات القوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت. وبعيداً عن سيناريو لم يثبت حتى الآن بأنها كانت حادثة قتل متعمدة دبرها نائب الرئيس المصري وقتها، حسني مبارك، فقد ظل الدرس والسؤال قائماً: كيف توضع قيادات رفيعة المستوى في هذا الموقف الخطير؟
أما ميدانياً، فقد حمل الاستهداف من قبل "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، لمطار العريش، مؤشرات مهمة عدة، في ظل تصاعد العمليات العسكرية التي يشنها الجيش المصري في محافظة شمال سيناء تنفيذاً لأوامر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدحر الإرهاب في غضون ثلاثة أشهر رداً على مجزرة مسجد الروضة التي وقعت قبل ثلاثة أسابيع تقريباً. وأعلنت وكالة "أعماق" الناطقة باسم تنظيم "داعش"، في بيان، أن عناصر "ولاية سيناء" كانوا على علم بوصول صبحي وعبد الغفار إلى مطار العريش، خلال قيامهما بجولة تفقدية للقطعات العسكرية في شمال سيناء.
وقالت مصادر قبلية نقلاً عن شهود عيان قرب المطار، لـ"العربي الجديد"، إن الاستهداف تم بعد زيارة ميدانية قام بها صبحي وعبد الغفار إلى المطار، تفقدا خلالها القوات المرابطة فيه، وأعمال التوسعة التي بدأت فيها الوحدات الهندسية التابعة للجيش المصري، والتي لم يعلن عنها في الإعلام. ويعتاد سكان محافظة شمال سيناء على أن زيارات الشخصيات القيادية لسيناء تُحاط بسرية تامة، تُقطع خلالها شبكات الاتصالات والإنترنت، وتشدد الإجراءات الأمنية، وتشهد المحافظة انتشاراً أمنياً واسعاً، وتمنع الحركة في مناطق معينة بقصد إخلائها لمرور مواكب القيادات العسكرية أو الوزراء.
ولم يكشف المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية عن العدد الحقيقي للقتلى أو رتبهم العسكرية أو حتى أسمائهم، أو أن الوزيرين زارا المطار أصلاً، فيما كشفت مصادر طبية لـ"العربي الجديد"، أن الاستهداف أدى إلى مقتل ضابطين على الأقل، وهما من حملة الرتب الرفيعة في سلاح الجو المصري. وبحسب المصادر الطبية في مستشفى العريش العسكري، فإن القتيلين هما المقدم إسماعيل الشهابي، والعقيد طيار حربي مقاتل رفعت مندوه، فيما أصيب عدد آخر من الضباط والجنود بجراح وصفت بعضها بالخطيرة.
واكتفى الجيش المصري، مساء الثلاثاء، بالحديث عن مقتل ضابط وإصابة اثنين آخرين في الهجوم، إذ قال المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، في بيان عبر "فيسبوك"، إنه تم استهداف مطار العريش بإحدى القذائف، وقد نتج عن الحادث مقتل ضابط وإصابة 2 آخرين، وإحداث تلفيات جزئية في إحدى طائرات الهليكوبتر. وأوضح أن عناصر القوات المسلحة والشرطة المدنية قامت بالتعامل مع مصدر النيران وتمشيط المنطقة المحيطة، مضيفاً أن الاستهداف تم أثناء زيارة وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الداخلية، لتفقد القوات والحالة الأمنية في المدينة.
ويشير تبني تنظيم "ولاية سيناء" المسؤولية عن الهجوم، إلى أنه أراد إحداث ضجة إعلامية على المستويين المصري والإقليمي، بعد فترة من الاختفاء المريب في مناطق سيناء، وتوقف شبه تام للعمليات العسكرية منذ وقوع مجزرة مسجد الروضة، فيما من الواضح أن الهجوم يمثّل ضربةً للجهود الأمنية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية منذ أسابيع، خصوصاً في مدينة العريش التي شهدت اعتقال العشرات من الشبان في إطار حملتها الأمنية التي تبعت المجزرة، إلا أن ذلك لم يمنع وقوع هذا الاستهداف النوعي، وفق ما يؤكد مراقبون للمشهد في سيناء.
ووفقاً لخبير عسكري، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الاستهداف كان لقادة الملف الأمني في مصر بأكملها (وزيري الدفاع والداخلية)، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول كيف عرف التنظيم بزيارة الوزيرين، والجديد أيضاً كيف عرف أن زيارة المطار ضمن جدول أعمالهما في محافظة شمال سيناء. وأوضح الخبير العسكري أن دقة الاستهداف، وسقوط القذائف الصاروخية في المكان المطلوب وإحداث خسائر بشرية ومادية، يشير إلى تطور العمل العسكري لدى "ولاية سيناء"، بالإضافةً إلى تمكّنه من الحركة وإطلاق الصواريخ رغم تحليق الطيران من دون طيار والمروحي في سماء المنطقة التي يزورها الوزيران، متوقعاً أن تكون الصواريخ التي تم إطلاقها على المطار موجّهة بالليزر، كالكورنيت والكونكورس المتوفرة لدى تنظيم "داعش" واستخدمها خلال مواجهاته مع الجيش خلال السنوات الماضية. وأكد أن الاستهداف يزيد من حجم المأزق الذي تعيشه قوات الأمن المصرية في مواجهة التنظيم، خصوصاً بعد المهلة التي وضعها السيسي بضرورة القضاء على الإرهاب في غضون ثلاثة أشهر منذ وقوع مجزرة مسجد الروضة، مشيراً إلى أن الاستهداف يمثل تطوراً نوعياً في عمل التنظيم، ويضاف إلى سجلات الحوادث المتتالية خلال السنوات الماضية.
ووفق مراقبين للأوضاع، سيكون على الوزراء والقيادات العسكرية القيام بحسابات جديدة إذا أرادوا زيارة مناطق محافظة شمال سيناء مجدداً، بعد استهداف مطار العريش، خصوصاً أن الهجوم كان من الممكن أن يصيب وزيري الدفاع والداخلية بشكل مباشر، فيما قد يغيّر التنظيم أسلوبه في المرة المقبلة، ويتعرض للزائرين بشكل مباشر أثناء تحركهم في مدينة العريش، بالنظر إلى أن الشخصيات الزائرة لا تفضل الدخول إلى مناطق رفح والشيخ زويد، نظراً لصعوبة الأوضاع الأمنية، والسيطرة الميدانية لتنظيم "ولاية سيناء" في مناطق واسعة منها.
من جهة أخرى، راجت شائعات في سيناء أنه من المحتمل أن يكون الاستهداف مدبراً من قبل أجهزة رسمية تريد التخلص من الوزيرين وإلصاق التهمة بالجماعات الإرهابية النشطة في سيناء، وهي روايات تبقى في خانة الشائعات حتى الآن.