رأت رئيسة قسم التحليل بمركز التكنولوجيا السياسية في موسكو، تاتيانا ستانوفايا، أن العام 2017 كان من أصعب الأعوام على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رغم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وتمتعه بنسبة تأييد تصل إلى 86 في المائة.
ورصدت في مقال نشر بصحيفة "ريبابليك" الإلكترونية اليوم الخميس، "خمس مفاجآت سلبية تعكس حدوث تغييرات في الثوابت السياسية"، منها وضع المجتمع، والحالة النفسية للنخب، والظروف السياسية الخارجية.
وفي حين توقعت أن يعود الشباب مرة أخرى إلى الواجهة وبشكل لا يمكن تجاهله، ذكّرت ستانوفايا بأن روسيا شهدت في أشهر الربيع وبداية الصيف الماضي، نقاشات ساخنة حول انخفاض أعمار المحتجين من أنصار مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، المعارض "غير النظامي" أليكسي نافالني. واعتبرت أنه بصرف النظر عن حدوث "التمرد المدرسي" من عدمه، فإن نظام بوتين واجه لأول مرة تحدياً جديداً، لا يملك خبرة وآلية للتعامل معه.
كما أشارت إلى أن الجيل الجديد من الشباب لم يعرف أي حاكم إلا بوتين، ويعتبر أن عهده ينتهي، على عكس القاعدة الاجتماعية لـ"النظام البوتيني" المتمثلة في الموظفين الحكوميين والمتقاعدين الذين فاض بهم الكيل من الأزمات التي عاشتها روسيا، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في التسعينيات من القرن الماضي.
وفيما أعلن بوتين عن ترشحه لولاية رئاسية جديدة، دون أن يقدم شيئا يشبه خطته الاستراتيجية للأعوام الستة المقبلة، أرجعت المحللة الروسية ذلك، إلى تعثر السلطة وبقائها في الزمن الحاضر، هاربة من الماضي ومبررة عدم ديمقراطيتها بأزمة التسعينيات و"الحرب الهجينة".
كما رأت أن "سياسات موسكو الداخلية والخارجية باتت تعتمد على موقف واشنطن الذي يحدد توجهات روسيا في الفضاء السوفييتي السابق وأوروبا، وفي العلاقات مع الصين وسورية، من دون وجود رؤية لكيفية تطور روسيا، في حال لم يعد محيطها عدائياً".
إلى ذلك، اعتبرت في مقالها، أن تجربة ملاحقة وزير التنمية الاقتصادية السابق، أليكسي أوليوكاييف، وسجنه ثماني سنوات، تعكس زيادة إحباط بوتين من الموارد البشرية التي يتعامل معها، مما لا يترك له خيارا سوى الاعتماد على التكنوقراط والعسكريين ورجال الاستخبارات.
وكانت محكمة زاموسكفوريتسكي في موسكو قد أصدرت يوم الجمعة الماضي، حكما بالسجن المشدد لمدة ثماني سنوات بحق أوليوكاييف، لإدانته بتهمة تقاضي رشوة قدرها مليونا دولار مقابل تمرير صفقة استحواذ شركة "روس نفط"، أكبر شركة نفط في روسيا، على حصة الدولة في شركة "باش نفط" والبالغة 50 في المائة.
وفي الوقت الذي رأى فيه القضاء أن الادعاء تمكن من إثبات التهم الموجهة إلى الوزير السابق، كان الدفاع يصر على رواية "افتعال أفراد جهاز الأمن الفدرالي لمشهد الجريمة"، وأن أوليوكاييف لم يكن على علم بما يجري.
وعن العلاقة مع الولايات المتحدة، رأت المحللة أنّه بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وتنصيبه رئيساً أميركياً مطلع عام 2017، كانت النخب الروسية تتوقع "شهر عسل" مع الغرب واستعدادات لـ"الصفقة الكبرى"، مترقبة انتصارا جيوسياسيا لرؤية بوتين للسلطة السيادية وتحقيق أحلام التقسيم الجديد للعالم. إلا أن هذه التوقعات سرعان ما تحولت إلى كابوس، لتتراجع العلاقات إلى أدنى مستوى لها منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وربما أزمة الكاريبي قبل 55 عاما.
ورأت ستانوفايا أن بوتين لم يبق له سوى القبول بالوضع الراهن، الذي لا يزال فيه الرئيس الأميركي "الضعيف"، هو الأمل الأخير بالتطور غير الاعتيادي المحتمل للعلاقات الروسية الأميركية.
من جهةٍ أخرى، أضافت ستانوفايا، أن بوتين كان يأمل حتى آخر لحظة في إنقاذ روسيا من أزمة المنشطات، بينما أثبت استبعاد روسيا من الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 مرة أخرى أنه لا عدالة في العالم، وأن قبول اللعب وفقا للقواعد، سيأتي بنتائج عكسية في نهاية المطاف.
وخلصت كاتبة المقال بالقول، إنه في ظل زيادة عزلة روسيا على الساحة الدولية، وازدياد انعزال رئيسها داخل البلاد أيضاً، ولم يعد بإمكانه أن يثق لا في ترامب ولا في أصدقائه الأوروبيين القدامى، ولا حتى في أنصاره.