كان عام 2017 بالنسبة لليمنيين استثنائياً، وشهد تحولات كبيرة على صعيد الحرب الدائرة في البلاد وخارطة التحالفات السياسية والملفات الأمنية، وخُتم بالحدث الأكبر منذ سنوات، المتمثل بانهيار تحالف جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وحزب المؤتمر الشعبي العام، بعد مقتل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وطي صفحة عقود من تأثيره السياسي في البلاد. عام بلا مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، ولكنه صاخب بالتحولات السياسية المحلية، على غرار ولادة مجلس انفصالي مدعوم من الإمارات جنوباً، وتطور الصواريخ البالستية الحوثية التي طاولت العاصمة السعودية الرياض. كما كان عام تفاقم الكارثة الإنسانية المحاصرة للغالبية العظمى من اليمنيين، واضعة الملايين منهم على حافة المجاعة. إنه عام انتشار وباء الكوليرا أيضاً.
مع مطلع عام 2017، أطلقت قوات الشرعية المدعومة من التحالف وبإشراف من القوات الإماراتية، عملية عسكرية أكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن "تحضيراتها بدأت في الأشهر الأخيرة لعام 2016". وحملت العملية اسم "الرمح الذهبي"، هدف التحالف من خلالها إلى تأمين سيطرته وإنهاء تهديد الحوثيين للموقع الاستراتيجي الأهم في اليمن، متمثلاً في المناطق الساحلية اليمنية القريبة من مضيق باب المندب الفاصل بين خليج عدن والبحر الأحمر.
انطلقت العملية بقوات أغلبها جنوبية تقدمت من جهة الجنوب، صوب مديرية ذوباب، التابعة إدارياً لمحافظة تعز، وأقرب المناطق اليمنية إلى جزيرة ميون المشرفة على الممر الدولي لمضيق باب المندب. وكان المضيق تحت سيطرة التحالف منذ عام 2015، إلا أن الحوثيين كانوا لا يزالون قادرين على تهديد سيطرة التحالف، قبل نجاح قوات الشرعية - التحالف بالسيطرة على مديرية ذوباب والتمدد إلى مديرية المخا، المُشكّلتان للساحل الغربي لتعز. وجاء تقدم التحالف - الشرعية إلى المخا، في الأشهر الأولى من عام 2017، بعد معارك عنيفة وغارات جوية مكثفة سقط خلالها عدد غير قليل من القتلى، معظمهم من الحوثيين وحلفائهم، بالإضافة إلى أفراد من قوات الشرعية، ومدنيين قضوا بالغالب بغارات جوية للتحالف.
في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، وبعد أيام من تسلّم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة رسمياً، نفّذ الجيش الأميركي أوسع عملية عسكرية له في اليمن ضد تنظيم "القاعدة" في الجزيرة العربية، شملت غارات جوية وإنزالاً لعناصر من الكوماندوس استهدفت منزل أحد وجهاء القبائل المقربين من تنظيم "القاعدة"، وهو الشيخ عبدالرؤوف الذهب، وذلك في منطقة يكلا، في محافظة البيضاء، وسط اليمن. ونتج عن العملية سقوط 15 قتيلاً بينهم مدنيون وقيادات في "القاعدة"، كما قُتلت امرأة سعودية مطلوبة لسلطات بلادها فرّت إلى اليمن عام 2013، وهي أروى البغدادي. وتمكن مسلحو التنظيم ورجال القبائل في المنطقة، من إسقاط مروحيتين نوع "أباتشي"، وقتل جندي أميركي على الأقل. وبررت مصادر أميركية العملية بأنها "هدفت للوصول إلى معلومات". كما تحدث مسؤولون أميركيون عن أن "واشنطن وضعت يدها على كنز معلومات استخباراتية، خلال العملية"، إلا أن التبريرات أثارت شكوكاً، مع إعلان تنظيم "القاعدة" أنه أفشل العملية.
وصُنّف عام 2017 بكونه "عام التصعيد غير المسبوق في موجة الضربات الأميركية التي تستهدف المشتبهين بالانتماء للقاعدة، وتوسيعها لتشمل قصف الأهداف المفترضة لتنظيم داعش". وأعلنت واشنطن أخيراً عن تنفيذ أكثر من 120 ضربة جوية وعمليات ميدانية متعددة في اليمن خلال العام الحالي.
وإذا كانت مفاوضات الكويت التي رعتها الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية، أبرز محطة سياسية في اليمن خلال عام 2016، فإن عام 2017 شهد انتكاسة بالنسبة للجهود السياسية برعاية الأمم المتحدة، مع إعلان الحوثيين وحلفائهم في فبراير/ شباط الماضي، رفضهم للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وطالبوا الأمم المتحدة بتغييره، بعد فشل الجهود الأممية في حل "أزمة المرتبات"، وبعد سقوط الخطة الأممية التي عُرفت بـ"خارطة الطريق"، وبدأت بالمبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في أغسطس/ آب 2016.
بالتالي مضى العام الحالي من دون أي لقاءات مباشرة بين الأطراف اليمنية، وأطلق ولد الشيخ، منذ أشهر، خطة جديدة متعلقة بميناء الحديدة، غربي البلاد، وبمقترحات لدفع مرتبات الموظفين الحكوميين، إلا أن المبادرة قُوبلت بالرفض من قبل الحوثيين، وتعرّض موكب المبعوث الأممي لإطلاق نار في صنعاء، في 22 مايو/ أيار الماضي، فيما عيّنت الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، نائباً لمبعوثها في اليمن، وهو الفلسطيني معين شريم، الذي كان ضمن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
جنوباً واعتباراً من فبراير/ شباط الماضي، تصاعد التوتر بين الإمارات، المتصدرة لواجهة عمل وحضور التحالف في جنوب اليمن، التي وصفها بعض اليمنيين بـ"المحتل"، وبين الحكومة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي. وتطور الصراع إلى مواجهات مسلحة محدودة بين قوات موالية لأبوظبي وأخرى للرئيس اليمني، بعد إصدار الأخير قراراً بتغيير قوة الحماية في مطار عدن الدولي، المقرّبة من الإمارات، بقوة أخرى من الحماية الرئاسية التابعة له. وهو ما رفضه الموالون للإمارات، فأجبرت الأزمة الرئيس اليمني على مغادرة عدن مجدداً، إلى الرياض، في مارس/ آذار الماضي.
جنوباً أيضاً، شهد اليمن خلال العام الحالي تطورات مثيرة، إذ ومع صراع الإمارات - الشرعية، أصدر هادي في 27 إبريل/ نيسان الماضي قرارات أطاح من خلالها بمحافظ عدن المقرّب من أبوظبي، عيدروس الزبيدي. كما شملت الإطاحة وزير الدولة هاني بن بريك، أحد أكبر الشخصيات النافذة بعدن، وهو قيادي سلفي مقرّب من الإمارات، التي بدورها دعمت التمرد على القرارات الرئاسية، إيذاناً ببدء موجة من التحولات جنوباً.
في الرابع من مايو/ أيار الماضي، نظّم الموالون لمحافظ عدن المقال، الزبيدي، مهرجاناً لرفض القرارات الرئاسية، وصدر عن المهرجان ما سُمي بـ"إعلان عدن التاريخي"، الذي كان بمثابة أولى وثائق انقلاب مدعوم من أبوظبي ولكن في عدن. بموجب الإعلان تم تفويض الزبيدي تأسيس "قيادة سياسية وطنية برئاسته لإدارة وتمثيل الجنوب". وفي 11 مايو، أعلن الزبيدي عن تشكيل ما سُمي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي قدم نفسه كسلطة في جنوب اليمن.
وبعد تشكيل المجلس الانفصالي - الانقلابي بدعم وثيق من أبوظبي وبعدما ضم في عضويته محافظي محافظات معينين من الحكومة الشرعية، دخل في مرحلة جمود، مع مغادرة الزبيدي ومعه هاني بن بريك بزيارة إلى الرياض، ثم أبوظبي وكذلك العاصمة المصرية القاهرة. وعادت قيادة المجلس، لاحقاً، في خطوات بناء تنظيمية، من خلال تأسيس فروع للمجلس في المحافظات، وصولاً إلى إعلان تشكيل ما سُمي بـ"الجمعية الوطنية الجنوبية" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والمؤلفة من 303 أعضاء وعقدت أول اجتماع لها في 23 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، والمعروفة بأنها "البرلمان الجنوبي".
اعتباراً من إبريل الماضي، وبالإضافة إلى الأزمات الإنسانية والاقتصادية والسياسية الكارثية، تفشى وباء الكوليرا، حاصداً مئات الوفيات خلال أشهر. وكشفت آخر الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية، أن "عدد المصابين بالكوليرا وصل إلى مليون شخص"، فيما وصفته بعض التقارير، بـ"أسوأ أزمة كوليرا على مستوى العالم". كما انتشر وباء آخر، خلال العام، وهو وباء "الدفتيريا" (الخناق)، الذي حصد العديد من الوفيات في الأشهر الأخيرة.
وبسبب استمرار أزمة مرتبات الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين، منذ أكثر من عام، وغيرها من صور التدهور الاقتصادي والأزمات الإنسانية بسبب استمرار الحرب والحصار، وصل اليمن في تقارير منظمات الأمم المتحدة، إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فأكثر من 20 مليون من سكان البلاد بحاجة إلى نوع من المساعدات. وهناك نحو ثمانية ملايين مواطن على حافة المجاعة، فضلاً عن الوفيات بسبب الأوبئة وسوء التغذية وغيرها من أوجه الكارثة الإنسانية، التي تفاقمت منذ تصاعد الحرب وبدء عمليات التحالف بقيادة السعودية منذ ربيع عام 2015. ومع استمرار الحرب، ازدادت وطأة المعاناة.
الحدث الأهم في اليمن خلال العام الحالي، بل الأكثر أهمية منذ تصاعد الحرب في البلاد بدخول الحوثيين صنعاء عام 2014 وتدخل التحالف العسكري 2015، كان انهيار تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح، تدريجياً، وصولاً إلى مقتل الأخير بتطورات دراماتيكية شهدتها العاصمة صنعاء مطلع ديسمبر الحالي، أنهت صفحة الرجل الأكثر تأثيراً في اليمن، منذ عقود، ودخلت معها البلاد بمعطيات جديدة على الصعيدين السياسي والميداني.
منتصف 2016 دخل الحوثيون وحزب صالح (المؤتمر الشعبي العام)، بأول صيغة شراكة رسمية لتشكيل ما سُمي بـ"المجلس السياسي الأعلى" ثم الحكومة الانقلابية في صنعاء، وتصاعدت خلافات الشريكين شيئاً فشيئاً داخل المؤسسات الحكومية، مع اتهامات حزب صالح للحوثيين برفض تنفيذ مضامين اتفاق الطرفين بسحب المشرفين واللجان الثورية التابعة للجماعة من الوزارات. وساد التوتر في علاقة الطرفين على صعيد "الشراكة" على الرغم من جوانب التقاء الطرفين بمعركة واحدة ضد الشرعية والتحالف.
ومنذ إبريل الماضي ومع دخول الحرب عامها الثالث، بدأت وتيرة تصريحات وتسريبات بفتح التحالف بقيادة السعودية خطوط تواصل مع حزب صالح، واتجه الأخير إلى إحياء نشاطه تنظيمياً باللقاءات واستقطاب عناصر جديدة إلى الحزب، على نحو أثار ريبة متزايدة لدى الحوثيين. وفي مطلع مايو الماضي، أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تصريحات عكست "غزلاً" تجاه حزب صالح، ففسّر بن سلمان موقف صالح بأنه "ناتج عن وقوعه تحت رحمة الحوثيين، وأنه إذا ما غادر صنعاء، فإن موقفه قد يختلف".
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلن حزب صالح عن إقامة مهرجان جماهيري بذكرى تأسيسه الـ35 في 24 أغسطس/ آب الماضي، وأثناء التحضير للمهرجان، وصلت الأزمة بينه وبين الحوثيين حدوداً غير مسبوقة، مع شكوك الجماعة بسعي صالح للانقلاب عليها، فوصل التوتر في الشهر نفسه إلى مواجهات محدودة، نجح الطرفان باحتوائها، لكن ذلك عنى تأجليها فقط. فانفجرت الأوضاع مجدداً مطلع الشهر الحالي بعد مهاجمة الحوثيين جامع الصالح، ومنازل تابعة لأقارب الرئيس المخلوع بالتزامن مع احتفال المولد النبوي. وفي الثاني من ديسمبر، دعا صالح وحزبه إلى انتفاضة شعبية ضد الحوثيين فتوسعت المواجهات في صنعاء بين الطرفين، ولكن مع تفوق مفاجئ للحوثيين، الذين اقتحموا منزل صالح وقتلوه في الرابع من الشهر الحالي. فدخلت البلاد منعطفاً جديداً ومرحلة ما بعد صالح، على مختلف المستويات السياسية والتحالفات العسكرية والقبلية في البلاد.
خلال العام الحالي، شهدت قوة الحوثيين الصاروخية تطوراً لافتاً، مع إطلاق الجماعة صاروخاً باتجاه الرياض، في 21 مايو الماضي، قبل يوم واحد من زيارة ترامب للمنطقة. وفي يوليو الماضي أطلق الحوثيون صاروخاً غير مسبوق من حيث المدى الذي وصل إليه. وقالت الجماعة إنه "من نوع بركان أتش 2، مستهدفاً مدينة ينبع السعودية". وفي الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أطلقت الجماعة صاروخاً من النوع نفسه استهدف مطار الملك خالد في الرياض، وسقطت شظايا منه في المطار، قبل استهداف الصاروخ الثالث، من النوع نفسه، قصر "اليمامة" في الرياض، في 19 ديسمبر الحالي، وفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض. والقصر هو مقر إقامة الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وخلق التطور الصاروخي للحوثيين، أزمة وردود فعل إقليمية ودولية، بعد اتهام الرياض الشهر الماضي، إيران بـ"تزويد الحوثيين بالصواريخ واعتبار إطلاق الصاروخ"، الذي قال التحالف إنه "إيراني الصنع (ثم تراجع لاحقاً بوتيرة التأكيد)، وبمثابة اعتداء إيراني على السعودية". وأغلقت السعودية كافة منافذ اليمن (عقب صاروخ مطار الرياض)، قبل فتحها تدريجياً تحت الضغوط الدولية، التي حذّرت من أن القيود المفروضة من السعودية على وصول المساعدات والمواد التجارية إلى البلاد، مثلت تهديداً لحياة الملايين وتفاقم الوضع الكارثي في البلاد.
بعد أن كان موقف التحالف والإمارات على وجه خاص، من حزب الإصلاح اليمني (القريب من جماعة الإخوان المسلمين)، من القضايا المعروفة يمنياً، والتي تردد أنها أحد أسباب عرقلة العمليات العسكرية باليمن، شهد الشهران الأخيران من العام الحالي تطورين لافتين. حصل الأول في نوفمبر الماضي، عبر لقاء جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، برئيس حزب الإصلاح، محمد اليدومي، والأمين العام للحزب، عبدالوهاب الآنسي. التطور الثاني حصل هذا الشهر، إثر تطورات صنعاء، إذ شهدت الرياض اللقاء المثير للجدل، الذي جمع بن سلمان وقادة الإصلاح، مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بعد أن كانت الأزمة بين الإصلاح - الإمارات، هي السائدة يمنياً منذ نحو السنتين. وجاء اللقاء في إطار محاولة الرياض التقريب بين الأطراف اليمنية الفاعلة، لتكوين جبهة عريضة ضد الحوثيين.
مع نهاية العام الحالي، تغيرت الكثير من المعطيات اليمنية بشكل كلي، وبذلك، فإن عام 2018، مفترض أن يكون حاسماً في ملفات عدة، كمصير الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ثلاث سنوات، فعلى الرغم من انتصار الحوثيين على حزب صالح، إلا أن تحالفهم معه الذي وقف بوجه الشرعية والتدخل العسكري بقيادة السعودية لأكثر من عامين ونصف، قد انهار. ومن المتوقع، وفق مسؤولي الشرعية، أن "يؤثر ذلك على مدى قدرة الحوثيين على الصمود عسكرياً في الفترة المقبلة، بعد أن باتوا وحيدين بمواجهة أغلب القوى والتيارات اليمنية، ما يدفع أطرافاً دولية نحو استئناف مسار المفاوضات، بالاستفادة من التطورات الأخيرة، والخسائر التي تكبدها الحوثيون، خصوصاً أطراف محافظة شبوة الجنوبية (بيحان)، ومديرية على الأقل، في محافظة البيضاء، فضلاً عن مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة الساحلية، وذلك خلال الأسابيع الأخيرة من 2017".