لم يتمكن النظام المصري من تمرير الاتفاقية التي وقّعها في إبريل/ نيسان من عام 2016 في القاهرة خلال زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز، في ظل معارضة شعبية عنيفة، وصلت إلى ساحات القضاء الذي قضى ببطلان توقيع الاتفاقية، مع تأكيد استمرار السيادة المصرية على الجزيرتين. ليضطر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعدها إلى التوجّه للبرلمان لإنهاء الأزمة وتسليم الجزيرتين للسعودية، خصوصاً في ظل الثقة الكاملة من جانب النظام بتمريرها عبر مجلس النواب الذي تشكّلت قوائمه الانتخابية بمعرفة الأجهزة الأمنية.
تمرير تلك الاتفاقية، اقتطع مما يسميه النظام رصيده في الشارع المصري، كما باعد المسافة كثيراً بينه وبين حلفائه السابقين في 30 يونيو، لدرجة جعلت بعضهم يصفونه بـ"الخائن"، خصوصاً بعدما خرج كل من الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي السابق عام 2012، وكذلك الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة السابق، مهاجمين القرار، ومؤكدين مصرية الجزيرتين.
حصة مصر من النيل
لم يكن الانتقاص من مساحة مصر الجغرافية هو أسوأ المشاهد التي مرت على المصريين في عام 2017، لكن كان هناك مشهد آخر لا يقل في قسوته بالنسبة للمصريين، وهو التهديد الإثيوبي لحصة مصر من مياه النيل، كنتيجة حتمية لسد النهضة الذي قطعت أديس أبابا شوطاً كبيراً في إنشائه، لتعلن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على لسان رئيس المجلس الوطني للتنسيق والمشاركة لبناء السد ديبريسيون جبرميشل، أن 38 في المائة هي النسبة المتبقية من إكمال المشروع، مشيراً إلى أن توليد الطاقة واستكمال البناء سيعملان جنباً إلى جنب في الفترة المقبلة. وجاء هذا الإعلان بالتزامن مع زيارة نظمتها إثيوبيا لوزيري الري المصري محمد عبد العاطي والسوداني معتز موسى، برفقة نظيرهما الإثيوبي سلشي بيكيلي، إلى موقع السد.
وقبل انتهاء 2017 وبالتحديد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حدث التطور الأخطر في مسار المفاوضات المشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن الأضرار المتوقعة من السد على دولتي المصب، مصر والسودان، بعدما فشلت الجولة الـ17 من المباحثات الفنية التي استقبلتها القاهرة على مستوى وزراء المياه في الدول الثلاث في التوصل لحل، في ظل تمسك إثيوبيا بموقفها الرافض للملاحظات المصرية. ليخرج الوزير المصري مشدداً على أن عدم التوصل إلى اتفاق يثير القلق على مستقبل هذا التعاون ومدى قدرة الدول الثلاث على التوصل للتوافق المطلوب بشأن سد النهضة وكيفية درء الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه بما يحفظ أمن مصر المائي.
وتعتمد أديس أبابا على الاتفاق الموقّع في مارس/ آذار 2015 في الخرطوم، من قِبل السيسي ونظيره السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، والذي شكّل اعترافاً مصرياً بالسد، وهو ما مكّن أديس أبابا من استكمال بنائه عبر الحصول على تمويلات دولية بناء على الاتفاق، الذي يصفه مراقبون بأنه أضاع الحقوق المصرية.
وفي هذا الصدد، أكد أستاذ هندسة السدود في جامعة يونتين في ماليزيا، محمد حافظ، أن إثيوبيا قامت بتحويل مجرى النيل الأزرق قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017 لتبدأ صبّ المقطع الأوسط من السد دون إبلاغ مصر، مضيفاً "عام 2017 هو آخر عام لعلاقة النيل الأزرق بأرض مصر". وتبلغ الحصة التاريخية الرسمية لمصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب، فيما تحصل على نحو 11 مليار متر مكعب كحصة إضافية تمر لها بسبب عدم استغلالها من جانب السودان.
مخاوف في 2018
يدخل المصريون عام 2018 محمّلين بمزيد من المخاوف بشأن مصير مساحات شاسعة من الخريطة المصرية، وبالتحديد سيناء، في الشرق المصري، ومثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، في أقصى الجنوب. المخاوف بشأن سيناء ترجع لتزايد الحديث عما يسمى بـ"صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب كخطة لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
وتقوم الخطة، بحسب التسريبات الصحافية، على إقامة وطن بديل عبر مشروع لتبادل الأراضي، تتنازل بمقتضاه مصر عن سيناء، مقابل حصولها على مساحات بديلة من صحراء النقب. وما يزيد الشكوك والمخاوف لدى المصريين، هي حملة التهجير الواسعة لأهالي سيناء بطول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، حيث بدأت المرحلة الرابعة من توسيع ما تتم تسميته بالمنطقة العازلة مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
أما المخاوف بشأن حلايب وشلاتين، فتأتي من التوتر المتصاعد مع السودان بشأن المنطقة المتنازع عليها والتي تطالب الخرطوم بما تسميه حقوقاً سودانية بها. ووجّهت السودان الدعوة أكثر من مرة لمصر لبدء نقاش حول تبعية المنطقة، أسوة بما قامت به مصر مع السعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير. وتجدد السودان شكوى مودَعة لدى الأمم المتحدة بشأن النزاع حول المنطقة سنوياً، فيما بدأت تستخدم المخاوف المصرية بشأن سد النهضة، وانحيازها لإثيوبيا في الأزمة، كورقة ضغط على مصر لإجبارها على فتح ملف حلايب وشلاتين، في ظل تصاعد التصريحات الإعلامية للمسؤولين في الخرطوم والتي يصفون فيها القاهرة بـ"المحتل".
في هذا الصدد، قال خبير سياسي مصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن عام 2018 سيمثّل اختباراً قوياً لكافة أطراف المشهد المصري، سواء النظام الحاكم بشأن تحالفاته الإقليمية وعلاقاته الدولية، وكذلك بالنسبة للمعارضة التي باتت على ثقة بأن بقاء السيسي أكثر من ذلك في الحكم يمثل تهديداً واضحاً لمكانة مصر وترابها.
ورأى أن "على المعارضة إبداع طرق جديدة، لوضع حد لسياسات النظام الحالي وقراراته التي تهدد مستقبل الأجيال المقبلة، خصوصاً أن 2018 سيشهد الانتخابات الرئاسية"، موضحاً أن "الأمر لا يتوقف عند دعم المعارضة لمرشح منافس للسيسي، ولكن عليها التوصل إلى صيغة تنزع الشرعية عن تحركات السيسي، الذي بات حصوله على مدة رئاسية ثانية أمراً مفروغاً منه في ظل سيطرته وأجهزته على المشهد برمته".
كما أكد ضرورة أن يكون للمعارضة المصرية دور في ما يتعلق باتفاق المبادئ الموقَّع بين مصر وإثيوبيا والسودان، ومحاولة تحريك دعاوى قضائية لإبطال توقيع السيسي عليه، لمنْح مصر مزيداً من الفرص في مواجهته، في ظل سياسات فاشلة من جانب النظام الحالي في مواجهة المخاطر التي تهدد مصر بشأن مياه النيل.