المعارضة تتمسك بمرجعيات التفاوض: الانتقال السياسي أولاً

17 فبراير 2017
المعارضة: دي ميستورا يحاول تمرير الرؤية الروسية للحل (Getty)
+ الخط -


تدفع روسيا والموفد الأممي إلى سورية باتجاه تغيير مرجعيات التفاوض بين المعارضة السورية، والنظام في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف في 23 فبراير/شباط الحالي، وفرض أجندة من شأنها حرف المسار التفاوضي، والقفز فوق قرارات دولية، لتمرير رؤية روسية ترفض الانتقال السياسي في سورية الذي يزيح بشار الأسد عن السلطة. أما المعارضة فتتشدّد في مسألة مناقشة الانتقال السياسي وفق بيان جنيف 1، قبل التطرق إلى أي قضايا تتعلق بحل دائم "ذي مصداقية" ينال ثقة الشارع السوري. وكشفت المعارضة عن أنها أعدت "وثائق ناضجة" تتضمن رؤية لوضع خارطة طريق واضحة للحل، وأن وفدها الذاهب إلى جنيف لديه المرونة الكافية للتفاوض، ولكن ليس على حساب ثوابت قوى الثورة والمعارضة. من جهته، استبق المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، جولة مفاوضات جنيف الرابعة، بتصريحات تؤكد نيته إعدام بيان جنيف 1، والذي تعتبره المعارضة السورية أهم مرجعيات التفاوض مع النظام. وقد قال دي ميستورا، أمس الخميس، بعد لقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن "القرار الدولي رقم 2254 هو الوثيقة الوحيدة التي تحدد اتجاهات تسوية الوضع السوري".



ونقلت وسائل إعلام روسية عن دي ميستورا قوله إنه "يأمل في إجراء مفاوضات جوهرية حول ثلاث مسائل، هي: تشكيل الحكومة الانتقالية، ومسودة الدستور، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة". وبدا الموفد الأممي مصراً على "وضع العربة قبل الحصان"، والقفز فوق جوهر المفاوضات في جنيف، وهو الانتقال السياسي القائم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات كما نص بيان جنيف 1، تدير مرحلة انتقالية، ومن صلاحياتها وضع دستور دائم للبلاد بعد استفتاء الشعب عليه تقام على أساسه انتخابات. من جهته، أكد لافروف أن المسودة التي قدمتها روسيا لمشروع الدستور السوري الجديد، جاءت بغية تشجيع عملية مناقشة مسودات مختلفة للدستور. وأضاف: "نعتقد أن المقترحات الروسية قد تشكل حافزاً لإطلاق مفاوضات حقيقية بين السوريين، بمن فيهم ممثلو الحكومة الحالية والمعارضة". كما قال إن "موسكو تصر على إشراك ممثلين عن المعارضة السورية المعتدلة في مفاوضات جنيف"، على حد وصفه. وجدد التزام روسيا "بمواصلة الجهود لتوسيع نطاق الهدنة لتشمل الأراضي السورية برمتها". وجاءت محاولات الموفد الأممي في سياق إلغاء بيان جنيف 1، والذي صدر في منتصف عام 2012، كمرجعية أساسية للمفاوضات، لأنه كان واضحاً أن الدعوة إلى انتقال سياسي في سورية توجّهٌ مرفوضٌ من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين. وعرضوا بدلاً من ذلك ما يُسمّى بـ "حكومة وحدة وطنية"، رأت المعارضة أنها "تأتي في سياق تمييع القضية السورية، ووأد مطالب الثورة السورية وفي مقدمتها استبعاد بشار الأسد وأركان حكمه من حاضر ومستقبل البلاد".

في هذا السياق، أكد دبلوماسي سوري معارض أنه "من الواضح أن الموفد الأممي يحاول تمرير الرؤية الروسية للحل في سورية"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الروس لا يريدون انتقالاً سياسياً في سورية، من شأنه تعريض مصالحهم في سورية لأي خطر".

وأشار الدبلوماسي إلى أنه "على وفد المعارضة الإصرار على أن تكون أجندة الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف متفقة مع القرارات، والتفاهمات، والبيانات الدولية، وأهمها بيان جنيف 1، في حال رأوا أن الموفد الأممي يتبع الأجندة الروسية". ودعا الدبلوماسي وفد المعارضة إلى "تسجيل اعتراضهم في بداية أول اجتماع، وعلى الوفد عدم الانسحاب أو تعليق المفاوضات، كما حدث في نيسان/أبريل من العام الماضي، لأن النظام يريد إظهار المعارضة أمام المجتمع الدولي بمظهر المعطل للمفاوضات".

وليس من المتوقع أن تتمخض الجولة الرابعة من المفاوضات عن تسوية "تاريخية" بين المعارضة والنظام، إذ لا يزال الأخير متمسكاً بورقة بقاء الأسد في السلطة، معتبراً معارضيه "مجرد إرهابيين". ولم يُلحظ أي تغيّر في الخطاب الإعلامي للنظام يشير إلى نيّته تمهيد الطريق أمام حل سياسي.


في هذا الإطار، أكد أحد مستشاري وفد المعارضة المفاوض أن "الهيئة العليا للمفاوضات أعدت وثائق ناضجة تتضمن رؤية لوضع خارطة طريق واضحة للحل"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "غير متفائل في إمكانية تحقيق انفراجة حقيقية في جولة جنيف المرتقبة، في ظلّ عدم استقرار الإدارة الأميركية الجديدة، وفي ظل وجود إرادات عدة تتصارع في سورية، تحاول كل منها فرض حلّ يلبّي مصالحها في البلاد التي تحولت إلى مناطق نفوذ دولي وإقليمي تتكرّس كل يوم".

وأشار المصدر إلى أن "الروس يحاولون تحقيق خطوات تطبيعية بين النظام والفصائل العسكرية، من خلال عقد اجتماعات متلاحقة في أستانة، وإجراء مصالحات يأمل الروس في أن تكون بوابة لإعادة انتاج النظام، مستغلين حاجة السوريين إلى استقرار بعد سنوات من الحرب". ولفت إلى أن "الحديث عن مجلس عسكري يضبط الأمور على الأرض بدأ يتجدد مرة أخرى في الآونة الأخيرة"، مضيفاً أنه "لم يتم التفاهم بين القوى الإقليمية والدولية على ماهية هذا المجلس، ودوره في المرحلة الانتقالية".

وأكد المصدر أن "لدى وفد المعارضة المرونة الكافية في المفاوضات ولكن ليس على حساب الثوابت"، مشدّداً على أنه "لا تستطيع المعارضة تجاوز مطالب السوريين في انتقال سياسي جدي وجذري وحقيقي، ينقل البلاد من ضفة الاستبداد إلى ضفة الديمقراطية"، موضحاً أن "وفد المعارضة في الجولة المقبلة سيطالب باستئناف المفاوضات من حيث انتهت في الجولة الثالثة".

من جهتها، تواصل موسكو دفعها باتجاه فرض دستور كتبته لسورية في مفاوضات جنيف، على الرغم من رفض المعارضة المعلن له، وتأكيدها أن كتابة دستور دائم للبلاد هي من اختصاص السوريين وحدهم، وهو أمر غير مطروح للنقاش على طاولة جنيف. وأصرّت المعارضة على حسم مسألة الانتقال السياسي وفق قرارات دولية قبل الانتقال الى مناقشة أي قضايا أخرى، معتبرة هذا الأمر "جوهر المفاوضات"، وأي طرح آخر يستهدف حرف التفاوض عن مساره الصحيح.

في غضون ذلك، بقيت مسألة مشاركة منصتي "موسكو" و"القاهرة" في الوفد المفاوض دون حسم، في ظل إصرارهما على "تمثيل متساو" في الوفد، ومن المتوقع أن يدعو الموفد الأممي شخصيات تنتمي إلى المنصتين للمفاوضات كـ "مستشارين" له، في حال عدم حسم مشاركتهما قبيل بدء المفاوضات، مع شخصيات من منصات أخرى محسوبة على المعارضة، في محاولة لـ"تشتيت" تمثيل المعارضة. وكانت قد فشلت المساعي الروسية في دفع قادة الفصائل العسكرية المعارضة الى تشكيل "منصة" جديدة لـ "ضرب" شرعية الهيئة العليا للمفاوضات كمرجعية وحيدة للمعارضة في المفاوضات. ووضع تأكيد الفصائل العسكرية أن الهيئة العليا للمفاوضات هي المرجع في مفاوضات جنيف 4، حداً لمحاولات موسكو الاستفراد بالملف السوري، وهو يدفعها الى رفض مناقشة الانتقال السياسي، ما يؤكد عدم جدية الروس في التوصل إلى اتفاق نهائي في سورية.