مشهد جديد من مشاهد غموض الحالة الليبية، بعيد إعلان "حكومة الإنقاذ" عن تكوين جناحها العسكري في طرابلس، الغارقة بمئات المجموعات المسلحة، المنتشرة في الأحياء السكنية والمقرات العسكرية والإدارية، والتي لم يتضح ولاء أغلبها حتى الآن. وتبدو العاصمة الليبية على فوهة بركان، خصوصاً بعد محاولة الاغتيال الأخيرة التي استهدفت رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج ورئيس مجلس الدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي وآمر الحرس الرئاسي، نجمي الناكوع.
يستعرض "العربي الجديد"، في هذا التقرير المدعّم بـفيديوغراف، خارطة انتشار المجموعات المسلّحة التابعة للأطراف الليبية الثلاثة:
كتائب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق
وتتألف من عديد المجموعات المسلحة المكونة من مسلحين مدنيين، يتخذون من الأماكن الخاصة والحكومية مقرات لهم، بالإضافة لمجموعات أخرى أكثر تنظيمًا من الناحية العسكرية، يقودها ضباط في الجيش أو الشرطة، وتتواجد هذه في المقار العسكرية والثكنات، ومن أبرز هذه المجموعات وأكبرها:
- قوة الردع والتدخل السريع: وتتبع وزارة الداخلية، وهي الأكثر عددًا وتسليحًا، وتتخذ من قاعدة امعيتيقة، أهم قواعد العاصمة، مقرًّا لها، ويقودها الملازم عبد الرؤوف كاره ذو الخلفية الإسلامية، وثمّة شكوك تحيط بعلاقات تجمعها بقوّات حفتر في طبرق.
- جهاز الحرس الرئاسي: وهو جسم أمني أعلنت حكومة الوفاق عن تأسيسه في مايو/أيار من العام الماضي، وتعيين العميد نجمي الناكوع آمرًا له، ويهدف إلى حماية مؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية. ورغم مرور ما يزيد عن التسعة أشهر على تأسيسه، والإعلان عن فتح باب القبول للتجنّد فيه في ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ إلا أنه لم يرَ النور حتى الآن.
- جهاز مكافحة الجريمة: ويجمع عدداً كبيراً من المسلحين الذين يسيطرون على مراكز أمنية وعسكرية محصنة في تاجوراء وعين زارة والفرناج وصلاح الدين وغيرها، ويقوده الملازم هيثم التاجوري، منضويًا تحت شرعية وزارة الداخلية.
- جهاز الأمن المركزي: ويتمركز وجوده في منطقة بوسليم، وفي المناطق المتاخمة لفندق ريكسوس، مقر حكومة الإنقاذ، ويقوده اغنيوة الككلي، أحد قادة الثوار المدنيين، وأحد الشخصيات الفاعلة في عملية فجر ليبيا إبان قتالها ضد كتائب الزنتان الموالية للبرلمان نهاية عام 2014.
واتخذت هاتان القوتان هذه المسميات لتعمل تحتها منذ إعلانها الولاء لحكومة الوفاق في إبريل/نيسان من العام الماضي، حيث كانت الأولى تعرف باسم "كتيبة ثوار طرابلس"، والثانية باسم "كتيبة ثوار بوسليم"، وأبرز عملياتها اشتباكها مع تشكيلات مسلحة موالية لحكومة الإنقاذ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط غابة النصر المتاخمة لفندق ريكسوس، مقر حكومة الإنقاذ، حيث أخلت مقراتها وأجبرتها على مغادرتها.
كتائب حكومة الإنقاذ:
رغم تفوق قوة حكومة الوفاق؛ إلا أن تمكن حكومة الإنقاذ من إعادة تكوين "الحرس الوطني"، وإسناده لشخصية عسكرية ذات قبول في الأوساط الموالية لـ"حركة فجر ليبيا" السابقة، جعل منه مآلًا حتميًّا للمجموعات المسلحة المنتشرة في طرابلس، والتي لا تحمل أية صفة شرعية، بالإضافة للمجموعات المسلحة ذات الصبغة الإسلامية الموالية لدار الإفتاء الرافضة للاتفاق السياسي، ومنها:
- كتيبتا الفرقة السادسة والإحسان، وهما من أقوى المجموعات المسلحة وسط طرابلس، حيث تسيطر الأولى على مقر الإذاعة بزاوية الدهماني، والأخرى على غابة النصر، التي يقع داخلها فندق ريكسوس، مقر حكومة الإنقاذ، وسبق أن اندلع صدام مسلح عنيف الأشهر الماضية بينها وبين قوات حكومة الوفاق، انتهى بعد يومين من القتال إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإخلاء الكتيبتين مقارهما قبل العودة إليها في وقت لاحق.
وتتألف الكتيبتان من مقاتلين سابقين شاركوا في الإطاحة بحكم القذافي إبان الثورة عام 2011، وانخرطوا بشكل فاعل في عملية "فجر ليبيا"، نهاية عام 2014، وتعتبران من الكتائب ذات الخلفية الإسلامية، بسبب ضمها مقاتلين سبق أن شاركوا في القتال في أفغانستان.
- "القوة المتحركة" و"لواء الفرسان"، اللتان تسيطران على أغلب المواقع في غوط الشعال وجنزور، المنفذ الغربي للعاصمة، وهي قوات شبه نظامية تشكل درع حماية للعاصمة من إمكانية اقتحام قوات ورشفانة الموالية لحفتر، والمحاذية لطرابلس غربًا، وتتألف في أغلبها من مقاتلين مدنيين من الثوار السابقين، ومقاتلين تابعين للمنطقة، بالإضافة لكتيبة ينحدر أغلب عناصرها من مناطق الأمازيغ أقصى غرب البلاد.
وتشكل الطرقات الرابطة بين مناطق سيطرتها في الناحية الغربية للعاصمة وغرب البلاد طريقًا للتواصل مع مجموعات مسلحة في الزاوية وغريان والعجيلات، أعلنت مؤخرًا ولاءها لحكومة الإنقاذ والحرس الوطني.
- خليط من المجموعات المسلحة جنوب وشرق العاصمة يزيد عددها عن العشر مجموعات، ينحدر أكثرها من مصراته، وتسيطر على مجموعة من المواقع المهمة، كمطار طرابلس الدولي السابق، ومعسكرات ذات أهمية استراتيجية، كمعسكر اليرموك، وحمزة، والنقلية، وهي معسكرات محصنة وقوية، ويشكل وادي الربيع، شرق العاصمة، طريق الاتصال والتواصل بينها وبين المناطق الموالية لها، كترهونة ومسلاته وزليتن، والتي تتوفر هي الأخرى على مجموعات مسلحة أعلنت ولاءها للحرس الوطني.
قوات حكومة طبرق؟
لا يمكن الحديث بشكل مؤكد عن وجود قوات معلنة تابعة لحراك اللواء المتقاعد خليفة حفتر الموالي لحكومة طبرق، لكن حديثًا متزايدًا يدور في الآونة الأخيرة عن شكوك حول وجود اتصالات بين آمر قوة الردع، الملازم عبد الرؤوف كاره، وقيادة قوات حفتر، حيث وجهت له "دار الإفتاء"، عديد المرات، تهمًا باعتقال عدد من مقاتلي مجلس شورى بنغازي في طرابلس، ليتوالى الحديث بعدها عن صلات واتصالات بينه وبين كتائب التوحيد المدخلية السلفية التي تقاتل مع حفتر في بنغازي، بحكم انتمائه لـ"التيار المدخلي". لكن انضواء قوة الردع تحت لواء وزارة داخلية الوفاق جعل الأمر غير مؤكد.
لكن مناطق وأحياء في طرابلس كـ"فشلوم وتاجوراء والظهرة"، سبق أن انتفضت بشكل مسلح خلال عام 2015 لتعلن ولاءها لحراك حفتر العسكري، قبل أن تتمكن القوات الموالية للمؤتمر الوطني العام وقتها من إخماد ثورتها، فيما يعتقد أنها لا تزال تحتفظ بالولاء ذاته، وربما تساعد في أي حراك موالٍ لحفتر في العاصمة، رغم عدم امتلاكها تشكيلات مسلحة منظمة.
وبالنظر إلى خارطة انتشار المجموعات المسلحة الموالية للحكومتين، يتبين أن حكومة الوفاق لا تسيطر سوى على الجزء الشمالي من المدينة، بينما يقع الجزء الجنوبي في قبضة حكومة الإنقاذ، وتشكل أحياء ومناطق شرق وغرب المدينة، كتاجوراء وصلاح الدين وحي الأندلس وقرقارش، نقاط تماس بين القوتين.
كما يشار إلى أن كلتا القوتين تمتلك وجود كبيرًا داخل الأحياء السكنية في أغلب أجزاء العاصمة، باتخاذها لفلل الكبيرة ولمباني عامة مقرات لها، مما يصعب إمكانية الاشتباكات معها، تفاديًا لوقوع أضرار للمدنيين.