اتهمت سلطات إقليم كردستان العراق، حزب العمال الكردستاني التركي، المعارض لأنقرة، بالسيطرة على مخيم للاجئين، شمال العراق، كانت تشرف عليه الأمم المتحدة، وهو الآن تحت سيطرة مسلحي الحزب وجرى تحويله إلى قاعدة عسكرية لإعداد المقاتلين. وحذر مسؤول محلي من تحويله إلى "قنديل ثانية"، في إشارة إلى سلسلة جبال قنديل العراقية الحدودية مع تركيا وإيران، والتي تعد معقلاً تقليدياً لمسلحي "العمال الكردستاني" منذ سنوات طويلة. وقال قائمقام مدينة مخمور شرق الموصل، رزكار مصطفى، إن "حزب العمال الكردستاني قام بتحويل مخيم مخمور للاجئين (كانت تشرف عليه مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة سابقاً) إلى معسكر وقاعدة عسكرية. وجرى تجنيد القاطنين فيه، من مختلف الأعمار، وتدريبهم وضمهم إلى تشكيل مسلح، أطلقوا عليه اسم المدافعين".
وسبق أن اعتبرت تركيا، في أكثر من مناسبة، مخيم مخمور بأنه أحد قواعد حزب العمال الكردستاني التي تنطلق منها هجمات ضد الأراضي التركية، إضافة إلى قواعد الحزب الرئيسية في جبال قنديل، الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية. وأبدى مصطفى، في تصريح صحافي، مخاوفه من أن "يتحول سكان المخيم، وبتأثير من العمال الكردستاني إلى مصدر للتوتر ولحوادث غير مرغوب بها". وأضاف "التقينا بهم (سكان مخيم مخمور) مرات عدة، برعاية الأمم المتحدة، لكن للأسف لم نتوصل إلى تفاهم مشترك حول وضع المخيم. قدمنا تسهيلات للسكان في الكثير من الأمور، لكن إدارة المخيم هم من مسلحي حزب العمال الكردستاني، ولا يريدون أن تحل مشكلات المخيم".
واستغل حزب العمال الكردستاني هجوم مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على بلدة مخمور، في أغسطس/آب 2014، وقام بنقل أعداد من مسلحيه إلى داخل مخيم اللاجئين بحجة الدفاع عن السكان من خطر "داعش". وقام عناصر الحزب بالسيطرة على مباني الوحدات الإدارية ومكتب تابع إلى مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة ومركز للشرطة والأمن، وفرض واقعاً جديداً، إذ أخضع المخيم بشكل كامل لسلطة الحزب. ومنذ ذلك الوقت، لا تتعامل الأمم المتحدة، ولا سلطات إقليم كردستان، مع المخيم وسكانه، لأن "العمال الكردستاني" يمنع حصول ذلك. وأشار قائمقام قضاء مخمور إلى أن منع مسلحي حزب العمال الكردستاني عودة المؤسسات الإدارية والحكومية إلى المخيم خلق مشاكل كثيرة لسكانه، كتسجيل الزيجات والولادات الجديدة، ومنح السكان بطاقات تعريفية جديدة بدل القديمة التي انتهت صلاحيتها.
مخطط إقامة "قنديل ثانية"
وأوضح قائمقام مخمور، رزكار مصطفى، أن مسلحي "العمال الكردستاني" قاموا خلال الفترة من 2014 وحتى الآن بضم مساحات من الأراضي قرب مخيم مخمور إليه، كما قاموا بحفر خندق أمني حوله بذريعة تأمينه من الهجمات، لكن الأراضي التي تم ضمها إلى المخيم حكومية، ويعد ذلك استيلاءً على الممتلكات العامة. ولفت أيضاً إلى أن مسلحي الحزب نقلوا سيطرتهم إلى جبل يشرف على المخيم، ويدعى "قرجوغ"، وباتوا يقيمون مراكز مراقبة، لا يقل عددها عن 15، فوق الجبل، معززة بأسلحة ثقيلة. كما ضاعفوا عدد المسلحين في المخيم وخارجه.
ووصفت صحيفة كردية، تابعة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، مخيم مخمور والنقاط العسكرية التابعة إلى حزب العمال الكردستاني على الجبل المطل عليه بـ"قنديل ثانية مصغرة". وكان سكان مخيم مخمور، وهم من أكراد تركيا، يقيمون في البداية في مخيم يقع في منطقة أتروش جنوب محافظة دهوك، ضمن نفوذ حكومة إقليم كردستان، ابتداء من العام 1996، وعددهم التقريبي كان 14 ألفاً، لكن وبسبب إثارتهم للمشاكل مع إدارة المنطقة، قامت الحكومة العراقية بنقلهم إلى مناطق نفوذها في محافظة نينوى. وبسبب تغلغل عناصر حزب العمال الكردستاني بين اللاجئين في المخيم، ووجود مسلحين سابقين في الحزب بين أفراده، جرى تحويل المخيم إلى قاعدة تابعة للحزب، تخضع لإجراءاته وتعليمات قيادته. ويعيش السكان في مخيم مخمور، منذ سنوات، معزولين عن إقليم كردستان، التي تتبع أرض المخيم لها، ولا تسري قوانينه عليهم. كما أنهم لا يتبعون بغداد.
الرئيس هناك هو مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وترفع صوره في كل مكان، ويمكن ايجادها أعلى لوحة الكتابة في الصفوف الدراسية، وهو المكان الذي طالما رفعت فيه صور الرئيس في مدارس العراق. كذلك ترفرف أعلام الحزب في كل مكان. هذه الحالة هي التي أبعدت السلطات في إقليم كردستان، وحتى المنظمات الدولية، عن دعم المخيم وساكنيه. وتتهم سلطات إقليم كردستان العراق، حزب العمال الكردستاني بإقامة عدة قواعد داخل الإقليم، تستخدم لزعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم، وتستهدف المدنيين من سكان المناطق القريبة من تلك القواعد.
قواعد "العمال الكردستاني" في العراق
1- جبال قنديل: هي سلسلة جبلية تمتد على طول الحدود العراقية الإيرانية بين محافظتي السليمانية وأربيل، وعلى مسافة عشرات الكيلومترات. وهي القاعدة الرئيسية للحزب ومركز قيادة للأنشطة السياسية والمسلحة. وتشير تقارير إلى أن تلك القاعدة تضم ما بين ثلاثة وأربعة آلاف مسلح. وأقام الحزب قاعدته في جبال قنديل نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، بدعم وتنسيق مع الإيرانيين. ويسيطر المسلحون على أكثر من 50 قرية تابعة إلى إقليم كردستان.
2- قاعدة في منطقة الزاب، وتقع شمال محافظة دهوك قرب الحدود مع تركيا، وهي مركز عملياتي. وينتشر مئات المسلحين في أكثر من 100 موقع على أراضي محافظتي دهوك وأربيل، عند الشريط الحدودي بين العراق وتركيا. وقام المسلحون بإجبار سكان نحو 400 قرية على إخلاء قراهم وتحويلها إلى مناطق عسكرية. ويبسط عناصر "العمال الكردستاني" نفوذهم عبر تلك القاعدة على مساحات من الأراضي تزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، و34 في المائة من مساحة محافظة دهوك، البالغة 6553 كيلومتراً مربعاً تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني انطلاقاً من قاعدته في منطقة الزاب.
3- قاعدة سنجار: وهي القاعدة التي أقامها "العمال الكردستاني" بالتعاون مع الحكومتين العراقية والإيرانية، بعد ظهور "داعش" في يونيو/حزيران 2014، إذ تم تسليح أفراد تابعين إلى الحزب، فيما جندت مليشيا "الحشد الشعبي" السكان المحليين.
4- مخمور: هي قاعدة تضم مخيماً للاجئين في البلدة، بالإضافة إلى نقاط عسكرية على جبل "قرجوغ" المطل على المخيم. وأُقيمت منطقة النفوذ هذه بعد ظهور "داعش" في يونيو 2014.
5- هناك مقرات وخلايا مسلحة تابعة إلى حزب العمال الكردستاني لا ترقى إلى مستوى القاعدة، وتنتشر في بلدات داقوق وطوزخورماتو التابعتين إلى محافظتي كركوك وصلاح الدين، وفي كفري وكلار ومناطق أخرى يطلق عليها "كرميان"، وتتبع إلى محافظة ديالى. ويلقى تواجد المسلحين هناك دعماً من الحكومة العراقية ومليشيا "الحشد الشعبي".
6- هناك مقرات متفاوتة في أحجامها وعدد المسلحين في مناطق عدة تابعة إلى محافظة السليمانية، خارج جبل سنجار، مثل حلبجة، رابرين، شارباشير، شهرزور، بيتوين، قرداغ، جمجمال، جمريزان.
ويُتهم حزب العمال الكردستاني بالعمل كأداة بيد أجهزة استخبارات إقليمية، هي إيران وسورية والعراق، ودولية مثل روسيا، وينفذ أجندات تلك الدول في بسط نفوذها خارج حدودها، خصوصاً على الحدود الدولية بين كل من إيران والعراق وتركيا وسورية التي يعمل الحزب على إخضاعها لنفوذ مسلحيه بغية التحول إلى أحد الأطراف المؤثرة في سياسة المنطقة. وتعد إيران أكثر موجهي "العمال الكردستاني"، ويقيم قادة الحزب المعروفون، مثل جميل بايك، ومراد قريلان، ومصطفى قرسو، منذ سنوات على حدودها وداخل أراضيها، وهو ما يفسر توجه الحزب لدعم خطط طهران في إقامة ممر بري يربط إيران بسورية، عبر الأراضي العراقية.