قبل نتائج التحقيق: اليمين الفرنسي يحكم على بلقاسم بـ"الإرهاب"

باريس

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
19 مارس 2017
FA7CBC18-E434-40CD-90CB-950F09AAB694
+ الخط -

مع أن مدّعي الجمهورية الفرنسية، فرانسوا مولينس، في ندوته الصحافية، مساء أمس السبت 18 مارس/آذار، لم يجرؤ على التلفظ بكلمة إرهابي أو عملية إرهابية، على الرغم من تكليف قسم مكافحة الإرهاب إضافة إلى الإدارة العامة للأمن الداخلي بالتحقيق، وعلى الرغم من استعراض مسار زياد بن بلقاسم، الفرنسي الذي وُلد في باريس، والذي هاجَم دورية عسكرية في مطار أورلي، في الساعة الثامنة و22 دقيقة، بعد أن أفلت من دورية شرطة، وبعد أن استخدم مسدسه، ثم استولى على سيارة أقلّته إلى المطار، إلا أن قسماً من الإعلام الفرنسي، كان ينتظر، بلهفة، سماع المهاجم وهو يتلفّظ بجملة "الله أكبر"، للحكم على صاحبها بالإرهاب، وبالتالي بالقتل.

وقد اكتشف الرأي العام الفرنسي، مساء أمس، ماضي الرجل، الصاخب، من حيث ارتكابه العديد من السرقات، أحيانا، بشكل عنيف، وأحيانا أخرى باستخدام العنف، وأيضا متاجرته بالمخدرات، إلى درجة عثور الشرطة أثناء تفتيشها بيته على كمية من الهيروين.

الشيء نفسه حدث مع الشاب المصري الذي هاجم متحف اللوفر، والذي وُصف على الفور بالإرهاب، ولا أحد يعرف إلى الآن حقيقة دوافعه.   

لم يختلف الأمر كثيرا مع الفتى الفرنسي، كيليان، الذي هاجَم، قبل أيام فقط، ثانوية في بلدة "غراس" بجنوب فرنسا، على أمل تصفية ما بين 8 إلى 14 من رفاقه، والذي كان بعض صحافيي القناة الإخبارية الفرنسية الأولى "بي إف إم. تي في" ينتظرون، بلهفة، لا يكادون يُخفونها، معرفةَ الكلمات التي تلفَّظَ بها الفتى المدجج بالسلاح، وهو يُطلق الرصاص على مدير المؤسسة وعلى الطلبة، وإن كانت بينها وصفةُ "الله أكبر"، قبل أن يعلن رجل الجنوب القوي، السياسي إيستروزي، المقرّب من ساركوزي، وقبل تصريحات الشرطة والمحققين، أن "الهجوم على الثانوية ليس له دافع إرهابي". وبعدها سيتبيّن أنّ الفتى هو ابن لمسؤول محلي سابق في "الجبهة الوطنية" المتطرف، انضم لاحقا لحزب "الجمهوريون" اليميني، ولكن وسائل الإعلام الفرنسية لم تنشر الخبر بشكل مستفيض، واكتفت باختصارات ملتبسة.

وقد التقطت صحيفة لوجورنال دي ديمانش، يوم الأحد 19 مارس/آذار، الجملة التي قال المدعي العام الفرنسي بأن المهاجم زياد بن بلقاسم تلفّظ بها وهي "أنا موجود هنا، كي أموت، بإرادة الله"، وأيضا حديث المدعي العام عن مبلغ 750 يورو وُجدت بحوزة القتيل ونسخة من المصحف وولاعة وزجاجة بنزين في كيس، حتى تصف زياد بلقاسم بالإرهابيّ، قبل أن يقول التحقيق ثم القضاء كلمته. علما أن بعض عائلة زياد، والده وأخيه، وأحد أصدقائه لم يُطلَق سراحهم إلا في صباح يوم الأحد، 19 مارس/آذار.

ويكفي أن يتفوّه أي مهاجم بكلمة "الله"، في هذه المرحلة الحرجة التي أعقبت الاعتداءات الإرهابية على فرنسا، وبعد فرض حالة الطوارئ ثم فترة الانتخابات الرئاسية، حتى يُحكَم عليه بالإرهاب، وبالتالي يستدعي ردّا سريعا من قوات الجيش بالقضاء عليه (وهو ما يفسر الجراح البليغة التي تعرَّض لها الشاب المصري في اللوفر)، ومن طرف قوات الشرطة، أيضا، بعد أن منحها البرلمان الفرنسي مؤخرا، وقبل انتهاء ولايته، حق الدفاع عن النفس.

وليس خافيا أن التسرع الإعلامي (القنوات الإخبارية والصحف)، والسياسي (سارعت مارين لوبان، بعد هجوم أورلي إلى انتقاد حكومة عاجزة أمام الأصولية الإسلاموية)، بإطلاق الأحكام، قبل معرفة نتائج التحقيقات، ساهم في تجييش الرأي العام، وبالتالي الحكم الجاهز على زياد بن بلقاسم بالإرهاب، على الرغم من أن المدعي العام يعترف بأن المهاجم، الذي كان في يده سلاح ناري، ضرب الجندية بذراعه، وهو ما يكشف أنه لم تكن لديه الرغبة في قتلها.

وعلى الرغم من العنوان المريب: "إرهابيّ أورلي"، إلا أن الصحيفة تعترف بأن زياد بلقاسم لم يسافر إلى سورية أو العراق. وتتحدث عن لقائه أثناء الفترات التي قضاها في السجون مع أشخاص متطرفين.

وتستعرض الصحيفة الفرنسية ماضي زياد بن بلقاسم باعتباره شخصا منحرفا، حوكم سنة 2001 بخمس سنوات سجنا، بسبب جرائم سرقة باستخدام سلاح، وحوكم سنة 2009 بخمس سنوات أخرى بتهمة الاتجار في المخدرات، ولم يُطلَق سراحه إلا في 28 أيلول/سبتمبر 2016، بعد قضائه ستة أشهر في سجن فرين، بالضاحية الباريسية، لارتكابه هجوما مسلحا.

ورغم كل هذا، فمن الأفضل لقسم كبير من وسائل الإعلام، ومن قسم لا يستهان به من الطبقة السياسية أن يكون زياد بن بلقاسم إرهابيا رغما عنه، ورغم أن المهاجم، وكما اعترف المدعي الفرنسي، نفسُهُ، هاتَفَ والدَه وأخاه، واصفاً ما هو بصدد ارتكابه بـ"الحماقة"، ورغم أن والد زياد شدد، خلال التحقيق معه، وهو ما قاله لوسائل الإعلام، صباح اليوم، على أن ابنه "ليس جهاديا ولا إسلامويا، بل مجرد منحرف، يتعاطى الكحول والمخدرات". ​




 

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن