ويهدد التصعيد بوقف زيادة شهدها إنتاج النفط الليبي أخيراً، وإشعال الصراع بين الفصائل العسكرية المتمركزة في شرق وغرب ليبيا التي تخوض قتالاً متقطعاً منذ ثلاث سنوات. وقال المتحدث العسكري باسم جيش حفتر، أكرم بوحليقة، إن "قوات الجيش الوطني الليبي" تتمركز حالياً في العقيلة، التي تبعد نحو 70 كيلومتراً جنوب شرقي راس لانوف، موضحاً أن طائرات حربية شنت غارات قرب راس لانوف والسدرة. وحث المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، السكان في المنطقة على الحد من تحركاتهم، وناشد القوات، التي طردت تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من سرت، التي تبعد نحو 180 كيلومتراً إلى الشرق من السدرة، أن تبقى في نطاق المدينة الساحلية لتجنب تعرضها لغارات جوية. وقال، في بيان، "حشد جوي وبري كبير جداً للقوات المسلحة العربية الليبية لدحر العصابات الإرهابية في منطقة الهلال النفطي"، حسب ما جاء في البيان. وأعلنت القوات المنبثقة عن برلمان طبرق "تقييد التحرك في المنطقة الممتدة من راس لانوف إلى سرت وحتى منطقة الجفرة جنوباً"، وهي مناطق واقعة ضمن الهلال النفطي ومحيطه. وقالت إنها "تهيب بكافة المواطنين ومستخدمي الطريق الساحلي والطرق الفرعية والصحراوية، والسكان المحليين، الالتزام بتقييد الحركة في المنطقة المحظورة الممتدة من راس لانوف إلى سرت وحتى منطقة الجفرة جنوباً"، مشيرة إلى "التحشيد الضخم لقواتها الجوية والبرية، وذلك لدحر" القوات المهاجمة.
وكان قادة قوات حفتر اعترفوا بتراجع قواتهم من مناطق السدرة وراس لانوف، بالإضافة إلى عدد من البلدات غرب الهلال، كالنوفلية وبن جواد. ولم يتوقف المسماري عن عقد مؤتمرات صحافية "لطمأنة الرأي العام"، واصفاً هذا التراجع "بالتكتيكي وللحفاظ على سلامة المنشآت النفطية". واعترف قادة قوات حفتر بوجود انشقاقات في صفوفهم، وما يشبه التمرد لبعض الفصائل، التي ساعدت قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" بالوصول إلى الموقعين النفطيين. وعلى الجانب الآخر، ورغم ضعف الظهور الإعلامي لقادة "سرايا الدفاع"، إلا أن الواقع العسكري الذي فرضته قواتهم جعل الأمور تتضح أكثر، إذ بثت "وكالة بشرى"، الذراع الإعلامي لـ"السرايا"، تسجيلات مرئية لمسلحين يتجولون ويتحدثون داخل مجمع راس لانوف النفطي. كما بثت تسجيلات لدبابات وآليات عسكرية غنمتها أثناء هجوم نفذته قوات حفتر على البوابة الشرقية للمجمع. وتؤكد مصادر من المنطقة، لـ"العربي الجديد"، أن قوات حفتر و"سرايا الدفاع عن بنغازي" تتقاسمان السيطرة على منطقة الهلال النفطي، فمنطقتا الزويتينة والبريقة لا تزالان في قبضة قوات حفتر، بينما راس لانوف والسدرة في قبضة "السرايا"، فيما تحولت مناطق، مثل العقيلة وبشر، إلى نقاط تماس.
وبعد ساعات من إعلان حالة النفير في شرق البلاد، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة التابعة لبرلمان طبرق، تطبيق خطة أمنية في كامل المنطقة الممتدة من طبرق شرقاً إلى أجدابيا شرق الهلال النفطي، ونشرت وحدات تابعة لمديريات أمن هذه المناطق، من دون أن تشير إلى طبيعة هذه الخطة. لكن مصادر محلية في أجدابيا كشفت، لـ"العربي الجديد"، عن قيام الأجهزة التابعة لقوات حفتر بعمليات اعتقال واسعة في صفوف المدنيين في أجدابيا والبريقة، موضحة أنه "يتم اعتقال كل من يشتبه بتأييده لحراك السرايا"، مشيرة إلى اتصالات لتغيير قيادات عدد من قادة الكتائب وإعادة النظر في مكوناتها لمنع حدوث تمرد جديد. وبينت المصادر أن قيادات قبلية اجتمعت مع وجهاء قبيلة المغاربة، التي ينتمي إليها عدد كبير من عناصر الفصائل المسلحة التي تسيطر على منطقة الهلال، والتي انقلب بعضها على حفتر، لحثهم على إعلان مواقفهم بشكل واضح.
ويعمل السياسيون المتحالفون مع حفتر على مسار آخر للضغط على الرأي العام، وربما على الدول الكبرى الصامتة حتى الآن. وأعلن المتحدث باسم البرلمان، عبد الله بليحق، ارتفاع عدد النواب المقاطعين للحوار السياسي إلى 47 نائباً، فيما بعث رئيس "البرلمان" عقيلة صالح، خطاباً إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الجمعة الماضي، يطالبهم فيه باتخاذ موقف حيال ما يجري في الهلال وسط اتهامات للسرايا بصلتها بتنظيم "القاعدة". والتقى رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، المكلف من رئاسة الجمهورية بالإشراف على الملف الليبي، الفريق محمود حجازي، برئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي، بيتر بافل، والوفد المرافق له، في القاهرة. وتصدر المشهد الليبي ومحاربة التطرف والإرهاب، وأهمية التنسيق والتعاون، المشاورات بين الجانبين، في وقت تسعى فيه لجنة متابعة الشأن الليبي، التي يقودها حجازي، للتوصل إلى حل سريع للأزمة الليبية، ووقف توسع رقعة المواجهات العسكرية التي تشهدها منطقة الهلال النفطي، وإيجاد صيغة سياسية تكفل استقرار ليبيا. ولا يمكن حتى الآن التهكن بمستقبل المنطقة النفطية، التي تعد، بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية، ورقة مهمة للوصول إلى مكاسب سياسية كبيرة، داخلياً وخارجياً. وهناك تسريبات عن وصول أرتال من الإمدادات العسكرية من مصراته والزاوية لدعم "سرايا الدفاع عن بنغازي"، في مقابل تحشيد قوات حفتر، التي تمتلك حاضنة قبلية كبيرة يمكنها تغذية القتال إلى أمد طويل، أسوة بما فعلته في بنغازي.