يمكن النظر إلى تصويت برلمان طبرق، شرقي ليبيا، أمس الثلاثاء، بالإجماع، على إلغاء اعتماد اتفاق الصخيرات، على أنه الردّ السياسي الأبرز للمعسكر الموالي لقائد "عملية الكرامة"، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على هجوم "سرايا الدفاع عن بنغازي" على منطقة الهلال النفطي، بعدما شكلت العمليات العسكرية هناك، ضربة سياسية كبيرة للرجل ولمعسكره. وقال رئيس البرلمان، عقيلة صالح، إنه "تقرر إلغاء قرار مجلس النواب المتخذ في 26 يناير/كانون الثاني 2016، بشأن اعتماد الاتفاق السياسي" في إشارة إلى اتفاق الصخيرات. وأشار إلى أن البرلمان قرر أيضاً "تعليق مشاركته في الحوار السياسي الذي ترعاه البعثة الأممية في ليبيا"، علماً أنّ لا برلمان طبرق وافق على حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، ولا حفتر عدّل يوماً من موقفه الرافض بالمطلق لكل ما أنتجه اتفاق الصخيرات من مؤسسات واتفاق لتقاسم السلطة. وتتصاعد الأحداث في ليبيا بشكل لافت، بعد معارك الهلال النفطي التي تُشكّل في كل مآلاتها، ضربة كبيرة لحفتر، حتى وإن تمكن من استعادة سيطرته على المنشآت النفطية.
وتعتبر مصادر مهتمة بالشأن الليبي في تونس، أن ما يحدث في منطقة الهلال النفطي وتمكّن قوى "سرايا الدفاع عن بنغازي" من السيطرة على المنشآت بسهولة نسبية، أسقط بشكل واضح فكرة الرجل القوي الذي يسيطر على ليبيا وعلى أهم مواقعها، النفط، وأوجد شكوكاً لدى جهات دولية عديدة في أُسس ما بُنيت عليه صورة حفتر من كونه الرجل الأقوى في ليبيا الذي يحرك الأوراق المهمة في الصراع بين الشرق والغرب.
وتعتبر مصادر مهتمة بالشأن الليبي في تونس، أن ما يحدث في منطقة الهلال النفطي وتمكّن قوى "سرايا الدفاع عن بنغازي" من السيطرة على المنشآت بسهولة نسبية، أسقط بشكل واضح فكرة الرجل القوي الذي يسيطر على ليبيا وعلى أهم مواقعها، النفط، وأوجد شكوكاً لدى جهات دولية عديدة في أُسس ما بُنيت عليه صورة حفتر من كونه الرجل الأقوى في ليبيا الذي يحرك الأوراق المهمة في الصراع بين الشرق والغرب.
وتشير هذه المصادر في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الهجوم المفاجئ على المنشآت النفطية أطاح أولاً بسيطرة حفتر على أهم موارد ليبيا، مصدر الصراعات الداخلية والدولية، وأثبت للجميع أنها في غير مأمن حقيقي كما ظنّ كثيرون خلال الأشهر الماضية، سارع أغلبهم لدعم حفتر بناءً على هذه المعطيات، واعتقاداً بأنه يملك كل المفاتيح المهمة في ليبيا. وتؤكد هذه المصادر أن هذه الفكرة ستظل قائمة لدى جهات دولية مختلفة تراقب تطور الأحداث في ليبيا، حتى لو نجح حفتر في استعادة سيطرته على المنشآت، لأن السهولة التي تمت بها العملية تعكس هشاشة التحالفات العسكرية وخصوصاً القبلية في ليبيا، وإمكانية تحوّلها بشكل سريع يغيّر المشهد بشكل جذري بسرعة قياسية.
وتتساءل هذه المصادر عن سر "الصمت الدولي والإقليمي الغريب" تجاه ما يحدث في ليبيا في الآونة الأخيرة، وإن كان يمثّل بطريقة أو بأخرى ضوءاً أخضر لهذه العملية، وارتياحاً لنتائجها الممكنة. واكتفى سفراء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لدى ليبيا ببيان شددوا فيه على "إدانتهم للتصعيد المسلح بمنطقة الهلال النفطي، داعين إلى وقف فوري لإطلاق النار في المنطقة". وشدد بيان الدول الكبرى على "ضرورة إنشاء قوة عسكرية وطنية موحّدة وتخضع لإمرة مدنية"، وهو بالضبط ما يرفضه حفتر لظنّه أنه الرجل الأقوى في ليبيا والطامح للقيام بالدور الأهم في مستقبل ليبيا، إذ تحوّلت هذه الطموحات من قيادة الجيش إلى رئاسة البلاد.
فهل تأتي هذه العمليات بمباركة دولية وإقليمية صامتة لإعادة حفتر إلى حجمه الحقيقي؟ وهل تهدف إلى إقناعه بقبول دور معقول في الحل الليبي الجديد؟ المصادر التونسية المطلعة على تفاصيل الأحداث في ليبيا، تشير إلى أن حفتر أصبح في الفترة الأخيرة شخصية خارج السيطرة حتى بالنسبة لأكبر داعميه، مصر وروسيا، وربما تساهم الأحداث الأخيرة في إعادة الوعي له بأنه من دون دعمهما سيبقى شخصية هامشية في المشهد الليبي، وهو ما يفسره تأخر الدعم لحفتر في هذه الحرب المفاجئة. ولكن الدولتين لن تسمحا بسقوط الحليف في كل الحالات، ولم تقبل مصر بالخصوص باقتراب التشكيلات الإسلامية من الشرق الليبي الذي تعتبره خطاً أحمر، خصوصاً بعد الإعلان الواضح لـ"سرايا الدفاع" عن نواياها العودة إلى بنغازي.
اقــرأ أيضاً
ويُطرح التساؤل عما إذا كانت هذه الأحداث ستدفع حفتر أخيراً إلى قبول التفاوض مع بقية الاطراف الليبية، بعدما قبل بذلك الجميع تقريباً، باستثنائه. والتقى وزير الشؤون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، الإثنين في تونس، وفداً ممثلاً لـ"المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية" و"مجلس أعيان ليبيا"، وهو ما يستكمل تقريباً بقية مكوّنات المشهد الليبي، باستثناء رئيس "حكومة الإنقاذ" خليفة الغويل إلى حد الآن. ولا تبدو الأحداث المتواترة أخيراً في العاصمة طرابلس والهلال النفطي بمعزل عن هذا "الإقصاء" للغويل، إذ تصاعدت المواقف العسكرية على الأرض بهدف توجيه رسالة واضحة لرعاة المبادرة الثلاثية بأن الغويل يبقى طرفاً مهماً في الصراع الليبي، لا يمكن تجاوزه.
وجاء نفي قادة "البنيان المرصوص" مشاركتهم في المعارك الدائرة بين "سرايا الدفاع عن بنغازي" وقوات حفتر في منطقة الهلال النفطي، وسط ليبيا، ليؤكد هذه القراءة ويحيل إلى حرب التموضع الداخلية بين القوى الليبية قبيل الانطلاق في هذه المبادرة. وقال قادة "البنيان المرصوص" إنهم يتلقون الأوامر من آمر غرفة العمليات الخاصة مصراتة-سرت لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ولم تصدر لهم أي أوامر بشأن التدخّل في صراع الهلال النفطي.
ولوّح القادة في بيان لهم، باتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال من يريد الزج باسم عملية "البنيان المرصوص" في ذلك الصراع، وحذروا الأطراف المتصارعة في منطقة الهلال النفطي من مغبة المساس بممتلكات ومقدرات الشعب الليبي. وكان المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، اتهم قوات عملية "البنيان المرصوص" بتقديم الدعم لـ"سرايا الدفاع عن بنغازي".
غير أن هذه المواقف تبقى جزئية في الصراع الجوهري الليبي بين الشرق والغرب، إذ يمكن أن تنضم مصراتة وقوى أخرى لهذا الصراع في أي وقت إذا ما رأت فيه إنهاءً لدور حفتر أو تحجيمه، ولهذه الأزمة التي استمرت لسنوات من دون غالب ولا مغلوب.
ولا تستبعد المصادر التونسية دخول قوى نظام معمر القذافي في هذا الصراع أيضاً، إذا حصلت توافقات وإذا رأت فيه مصلحة استراتيجية لعودتها إلى الساحة، وإذا ما أصبحت المعارك حاسمة ومصيرية في صراع الشرق والغرب، مستبعدة في الوقت نفسه إطالة زمن المعارك لأنها لا تخدم المصلحة الدولية المتقاطعة التي ترفض ضرب أهم مقدرات ليبيا.
ولا يمكن فهم ما يحدث في ليبيا حالياً بمعزل عن الدور الروسي، الذي يبقى غامضاً بالنسبة إلى كثيرين، وبالنسبة إلى مصلحتها القريبة والبعيدة في ذات الوقت، على الرغم من أنها لن تتخلى عن حليفها حفتر، ولكنها لن تلقي بكل أوراقها في سلّته لوحده، خصوصاً بعد زيارة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الأخيرة إلى موسكو وتأكيده على "العلاقة المتينة الراسخة التي تربط بين ليبيا وروسيا" و"حرص بلاده على استمرار تلك العلاقات وتفعيلها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية" والأهم "تفعيل الاتفاقات الثنائية التي تربط ليبيا مع روسيا"، وهو قلب الموضوع وعين الدور الروسي وآماله في المنطقة.
وللتذكير، فقد سبق زيارة السراج إلى موسكو توقيع اتفاق بين شركة النفط الروسية العملاقة "روسنفت" والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية لاستكشاف إمكانية التعاون في مختلف المجالات وبينها التنقيب والإنتاج. وجاء توقيع الاتفاق على هامش أسبوع البترول الدولي في لندن "IP Week" الذي يضم أهم الشركات في صناعة النفط من مختلف أنحاء أوروبا والشرق الأوسط.
وإذا ما كان السراج قادراً على إعطاء روسيا ما تبحث عنه بيد حفتر، على الرغم من عدم الارتياح الأوروبي، فلماذا لا تسعى إلى ربح الاثنين، وإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة الحوار، وتهدئة الأوضاع والتوصل إلى توافقات، خصوصاً عدم الإضرار بالمنشآت النفطية وتدمير البيت على رؤوس الجميع، ليخسر الجميع في نهاية الأمر.
فهل تأتي هذه العمليات بمباركة دولية وإقليمية صامتة لإعادة حفتر إلى حجمه الحقيقي؟ وهل تهدف إلى إقناعه بقبول دور معقول في الحل الليبي الجديد؟ المصادر التونسية المطلعة على تفاصيل الأحداث في ليبيا، تشير إلى أن حفتر أصبح في الفترة الأخيرة شخصية خارج السيطرة حتى بالنسبة لأكبر داعميه، مصر وروسيا، وربما تساهم الأحداث الأخيرة في إعادة الوعي له بأنه من دون دعمهما سيبقى شخصية هامشية في المشهد الليبي، وهو ما يفسره تأخر الدعم لحفتر في هذه الحرب المفاجئة. ولكن الدولتين لن تسمحا بسقوط الحليف في كل الحالات، ولم تقبل مصر بالخصوص باقتراب التشكيلات الإسلامية من الشرق الليبي الذي تعتبره خطاً أحمر، خصوصاً بعد الإعلان الواضح لـ"سرايا الدفاع" عن نواياها العودة إلى بنغازي.
ويُطرح التساؤل عما إذا كانت هذه الأحداث ستدفع حفتر أخيراً إلى قبول التفاوض مع بقية الاطراف الليبية، بعدما قبل بذلك الجميع تقريباً، باستثنائه. والتقى وزير الشؤون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، الإثنين في تونس، وفداً ممثلاً لـ"المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية" و"مجلس أعيان ليبيا"، وهو ما يستكمل تقريباً بقية مكوّنات المشهد الليبي، باستثناء رئيس "حكومة الإنقاذ" خليفة الغويل إلى حد الآن. ولا تبدو الأحداث المتواترة أخيراً في العاصمة طرابلس والهلال النفطي بمعزل عن هذا "الإقصاء" للغويل، إذ تصاعدت المواقف العسكرية على الأرض بهدف توجيه رسالة واضحة لرعاة المبادرة الثلاثية بأن الغويل يبقى طرفاً مهماً في الصراع الليبي، لا يمكن تجاوزه.
وجاء نفي قادة "البنيان المرصوص" مشاركتهم في المعارك الدائرة بين "سرايا الدفاع عن بنغازي" وقوات حفتر في منطقة الهلال النفطي، وسط ليبيا، ليؤكد هذه القراءة ويحيل إلى حرب التموضع الداخلية بين القوى الليبية قبيل الانطلاق في هذه المبادرة. وقال قادة "البنيان المرصوص" إنهم يتلقون الأوامر من آمر غرفة العمليات الخاصة مصراتة-سرت لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ولم تصدر لهم أي أوامر بشأن التدخّل في صراع الهلال النفطي.
ولوّح القادة في بيان لهم، باتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال من يريد الزج باسم عملية "البنيان المرصوص" في ذلك الصراع، وحذروا الأطراف المتصارعة في منطقة الهلال النفطي من مغبة المساس بممتلكات ومقدرات الشعب الليبي. وكان المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، اتهم قوات عملية "البنيان المرصوص" بتقديم الدعم لـ"سرايا الدفاع عن بنغازي".
غير أن هذه المواقف تبقى جزئية في الصراع الجوهري الليبي بين الشرق والغرب، إذ يمكن أن تنضم مصراتة وقوى أخرى لهذا الصراع في أي وقت إذا ما رأت فيه إنهاءً لدور حفتر أو تحجيمه، ولهذه الأزمة التي استمرت لسنوات من دون غالب ولا مغلوب.
ولا يمكن فهم ما يحدث في ليبيا حالياً بمعزل عن الدور الروسي، الذي يبقى غامضاً بالنسبة إلى كثيرين، وبالنسبة إلى مصلحتها القريبة والبعيدة في ذات الوقت، على الرغم من أنها لن تتخلى عن حليفها حفتر، ولكنها لن تلقي بكل أوراقها في سلّته لوحده، خصوصاً بعد زيارة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الأخيرة إلى موسكو وتأكيده على "العلاقة المتينة الراسخة التي تربط بين ليبيا وروسيا" و"حرص بلاده على استمرار تلك العلاقات وتفعيلها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية" والأهم "تفعيل الاتفاقات الثنائية التي تربط ليبيا مع روسيا"، وهو قلب الموضوع وعين الدور الروسي وآماله في المنطقة.
وللتذكير، فقد سبق زيارة السراج إلى موسكو توقيع اتفاق بين شركة النفط الروسية العملاقة "روسنفت" والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية لاستكشاف إمكانية التعاون في مختلف المجالات وبينها التنقيب والإنتاج. وجاء توقيع الاتفاق على هامش أسبوع البترول الدولي في لندن "IP Week" الذي يضم أهم الشركات في صناعة النفط من مختلف أنحاء أوروبا والشرق الأوسط.
وإذا ما كان السراج قادراً على إعطاء روسيا ما تبحث عنه بيد حفتر، على الرغم من عدم الارتياح الأوروبي، فلماذا لا تسعى إلى ربح الاثنين، وإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة الحوار، وتهدئة الأوضاع والتوصل إلى توافقات، خصوصاً عدم الإضرار بالمنشآت النفطية وتدمير البيت على رؤوس الجميع، ليخسر الجميع في نهاية الأمر.