بعد تأييد الأتراك التعديلات الدستورية في بلادهم، لصالح التحول إلى نظام رئاسي، برزت مواقف أوروبية غاضبة لا سيما في ألمانيا من نتيجة الاستفتاء الشعبي، مؤكدة رفض انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، ووصلت إلى حد المطالبة بإبعاد الأتراك الذين صوتوا في الاستفتاء في الدنمارك.
واعتبرت المفوضية الأوروبية، أنّ على تركيا العمل على "تحقيق أوسع توافق وطني ممكن" بعد نتائج الاستفتاء، مساء الأحد، وذلك نظراً لتقارب النتائج والخوف من عواقب بعيدة المدى للتعديلات الدستورية.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ومنسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني، والمفوض الأوروبي لسياسة الجوار يوهانس هان، في بيان، إنّ المفوضية لا تزال تنتظر تقييم مراقبي الانتخابات الدوليين، فيما خص المخالفات المزعومة في التصويت.
وكانت النتائج غير النهائية للاستفتاء التركي، قد أظهرت تمكّن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم من تمرير التعديلات الدستورية بعدما صوّت لصالحها 51.2% من الناخبين الأتراك بعد فرز جميع الأصوات.
وأضاف البيان، أنّه سيتم تقييم التعديلات الدستورية، في ضوء التزامات تركيا بصفتها دولة مرشحة لعضوية التكتل الأوروبي، داعياً تركيا إلى أخذ توصيات ومخاوف الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار، حتى فيما خص استمرار حال الطوارئ في البلاد.
وقال نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية زيغمار غابريال، إنّ "على ضوء النتيجة يجب المحافظة على الهدوء والتصرّف بتعقّل"، معرباً في الوقت ذاته عن ارتياحه لانتهاء المعركة الانتخابية "المريرة" حول الاستفتاء في تركيا.
وشدّد رئيس الجالية التركية في ألمانيا جوكاي صوفو أوغلو، في تصريح لصحيفة "منهايمر مورغن"، على ضرورة مقاربة النتيجة بدقة، والعمل للوصول بطريقة أفضل للأتراك الذين يعيشون بحرية في ألمانيا، فيما يتمنّون الاستبداد للمواطنين في تركيا.
يذكر أنّ 63% من الأتراك في ألمانيا، قد صوتوا بـ"نعم" لصالح التعديلات الدستورية.
وفي الدنمارك، هيمنت خيبة على ردود أفعال سياسية وصلت إلى حد المطالبة بإبعاد الأتراك الذين صوتوا في الاستفتاء عن البلاد، وتوعّد أنقرة بأنها "لن ترى عضوية الاتحاد الأوروبي".
وعبّر رئيس وزراء الدنمارك لارس لوكا راسموسن، باللغتين الدنماركية والإنكليزية عن "القلق" من نتائج الاستفتاء، وقال "غريب أن نرى الديمقراطية تقيّد الديمقراطية، للأغلبية الحق في أن تقرّر، لكنني قلق جداً إزاء الدستور التركي الجديد".
من جهته أعلن وزير الخارجية الدنماركي أندرس صاموئيلسن، اليوم الاثنين أنّ تركيا "تتجه بعيداً عن القيم الأوروبية وعضوية الاتحاد بتصويتها لمصلحة التعديلات الدستورية".
وذهبت عضو البرلمان عن أكبر الأحزاب المعارضة "الاجتماعي الديمقراطي" يلديز أكدوغان، إلى المطالبة بإبعاد 60% من 33 ألف تركي-دنماركي صوتوا بـ"نعم" في استفتاء التعديلات.
وكتبت أكدوغان، مساء الأحد، رداً على المحتفلين بالنتيجة: "احتفل الأتراك في الدنمارك بفوز أردوغان، ينبغي بذلك تبادل جوازات السفر وتصاريح الإقامة مع الصحافيين والفنانين والأكاديميين المحبوسين في تركيا".
من جهتها تصدّت السياسية اليسارية، من "الشعب الاشتراكي"، وعضو البرلمان سابقاً أوزليم شيكك (من أصول تركية كردية) لتلك الدعوات بالقول: "لست سعيدة بالنتيجة التي آل إليها الاستفتاء، لكن من المهم الآن ألا يقال للأتراك المقيمين هنا والذين صوتوا للتغييرات الدستورية اذهبوا إلى بلدكم. علينا أن نتفهم هؤلاء وإظهار طريق آخر أفضل من طريق أردوغان".
وانتقدت شيكك بشدة ما سمّته "استخدام كرت الإبعاد من الدنمارك"، مشيرة في انتقادها لتلك الدعوات بأنه "لدى الكثيرين مشاعر الانتماء الوطني المشترك تجاه بلدهم تركيا. كان من الأفضل لو كان ذلك الانتماء دنماركياً، بيد أنّ ذلك لا يمكن أن يحدث حين يقال لهم اذهبوا من هنا".
ردود الفعل السياسية لم تتوقف عند حد مطلب سحب الإقامة من الأتراك، وهي مفارقة جديدة في السياسة الدنماركية التي تسمح عادة لمواطني الدول الأخرى المقيمين على أراضيها المشاركة في أي انتخابات وطنية (كما يحدث عادة مع العراقيين وباحتفاء إعلامي).
وتوعد سياسيون من اليمين المتشدد ويسار الوسط باستخدام "الفيتو" بوجه انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وكتب زعيم حزب الشعب اليمين القومي (ثالث الأحزاب البرلمانية)، كريستيان ثولسن دال، على صفحته الرسمية "تركيا كعضو مستقبلي في الاتحاد؟ بعد اليوم فإنّ أكثر المؤيدين لعضوية تركيا في الاتحاد سينهون هذه الفكرة بشكل قاطع. ربما ليس كل شيء سيئاً في النتيجة (الاستفتاء) لأنّها جيدة في المسألة الأخرى (إنهاء إمكانية العضوية)".
والتقى أقصى اليسار، حزب "اللائحة الموحدة"، مع أقصى اليمين ويسار الوسط في انتقاد نتيجة الاستفتاء التركي، إذ قال مقرر شؤون الاتحاد الأوروبي في البرلمان، سورن سوناغوورد، إنّ "حزب اللائحة الموحدة اقترح تجميداً فورياً لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد إلى حين إعادة العمل بالديمقراطية هناك".
وتبدو ردود الفعل تلك استمراراً للسجال بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إثر أزمة فبراير/شباط بين أنقرة من جهة، وأمستردام وبرلين من جهة أخرى.