فبقدر ما هلّلت هذه الرموز وتيارها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)؛ تتطلع الآن إلى نتائج مماثلة تخرج بها صناديق الاقتراع الرئاسي غداً في فرنسا لصالح لوبان. فبين الاثنين روابط وشبه تماثل في المقاربة والمواقف والتوجهات، خاصة تجاه غير المرغوب فيهم من القوميات والإثنيات وأصحاب المعتقدات الأخرى.
ولعلّ من أهم هذه الروابط المشتركة، التشنج القومي؛ فكلاهما يرى الحقائق بمنظار الصفاء العرقي والتشدد في قضايا الهجرة والأمن الداخلي، ليس بهدف ضبط وتنظيم الأمور؛ لكن ترجمة للتوجس من الآخر ورفضه، وفي أحيان كثيرة بسبب كراهيته، وبالتالي منعه من الدخول إلى البلد ببناء الجدران والبوابات الحدودية المقفلة بوجهه.
كذلك يلتقي الجانبان في النظرة إلى العلاقة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. إعجاب ترامب، وكثيرين من مؤيديه، بنظيره الروسي، خاصة خلال الحملة الانتخابية؛ تقابله لوبان بموافقتها على ضم شبه جزيرة القرم. كما تتقاطع مواقفهما إزاء "الناتو" لجهة اعتباره منظمة "عفا عليها الزمن"، ولو أن الرئيس ترامب تحدث بخلاف ذلك قبل أيام، في مؤتمره الصحافي مع رئيس وزراء إيطاليا. فهو رفض طلب حليفه الإيطالي، العضو في "الناتو"، بلعب دور مساعد في ليبيا. متذرّعًا بكثرة أدواره. لكن في الواقع، هو رفض دعم حكومة طرابلس. ربما أخذ بنصيحة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، إذ يدعم الأخير خليفة حفتر، الذي يحظى بدعم موسكو أيضًا في الصراع الليبي.
ولا يخفي اليمين القومي الأميركي نفوره من الاتحاد الأوروبي، فكرةً وتجربةً، تمامًا مثل لوبان. فهذا التكتل يمثل نقيض الانكفاء على الهوية والصفاء القومي الذي يسعى تيار ترامب لإعادة إنتاجه في الساحة الأميركية، هنا يكمن تشجيعه لمحاولات الانفضاض عن الاتحاد الأوروبي، والتي شهدتها بريطانيا ثم هولندا، قبل أن تبوء بالفشل في هذه الأخيرة.
الآن يأتي دور فرنسا. ولعلّ ما يحمل مؤيدي لوبان على التفاؤل؛ أن معركة هذه المرشحة تبدو مشابهة، إلى حدّ بعيد، لمعركة ترامب، من حيث "صعوبة التنبؤ بها" عشية الانتخابات. الأمر الذي قد ينتهي بالنتيجة ذاتها، ولو في الجولة الأولى. ولا يخفف من ترحيب هذه الجهات أن "فريكست" قد يكون بمفاعيله "أخطر على أميركا من بريكست"، لجهة العلاقة مع موسكو. فلندن انشقت عن الاتحاد، لكنها بقيت في الحضن الأميركي. لكن فرنسا لوبان قد تتجه نحو موسكو. مع ذلك، وبالرغم من قلق النخبة السياسية الأميركية، جمهوريين وديمقراطيين، لا يكترث أصحاب النزعة الانعزالية، ولا حتى يبدون تحفظهم.
ولو اكتمل مثلث "ترامبست - بريكست - فريكست"، فقد تنتقل عدواه إلى أكثر من بقعة في القارة الأوروبية. تسود مخاوف وسط المراقبين والمهتمين من أن يعزز مثل هذا التحول، وفي هذه اللحظة الدولية المضطربة والمشتعلة بالحروب وانفلات النعرات الضيقة؛ النزعات الأمنية، وربما الفاشية الرافضة للآخر، وما قد تحمله من تفاقم للمخاطر والتوترات في أكثر من مكان.
وأكثر ما يخشاه هؤلاء هو أن انتصار لوبان، وما قد يؤدي إليه من مغادرة فرنسا للاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يصبّ في خانة الربح الصافي للرئيس بوتين. فانتصاره في أوروبا أبعد في تداعياته، وبما لا يقاس، بمحاولة تدخله في الانتخابات الأميركية، وما أحدثته من تخبط وانكشاف سياسي محرج وخطير.