رواية العبادي عن الأموال القطرية: تغطية على عجز بغداد؟

28 ابريل 2017
حاول العبادي تحويل قضية المختطفين لموضوع أموال مهربة (Getty)
+ الخط -


يلاحظ العارف بكواليس القرار الدبلوماسي القطري، أن مسؤولي هذه الدولة يُجمعون هذه الأيام على أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أضاع، في تصريحاته الثلاثاء الماضي، حول ملابسات تحرير القطريين المختطفين في العراق، فرصة لعودة المياه إلى مجاريها بين بغداد والدوحة، بل بين بغداد ومحيطها العربي، بعد تحرير المختطفين القطريين في العراق، الجمعة الماضي، وبعد أكثر من عام ونصف على اختطافهم على يد مليشيات مسلحة في العراق، يعرف العبادي وحكومته هويتها ومرجعيتها جيداً.
الملاحظ أن السلطات القطرية، بعد وصول المحررين القطريين إلى الدوحة، التزمت الصمت ولم تكشف عن تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عن مواطنيها، سعياً كما يبدو، لطي هذه الصفحة السوداء في العلاقات القطرية العراقية، إذ تعتبر الدوحة أنها لطالما وقفت إلى جانب العراق وشعب العراق، عبر السنوات الماضية.
رئيس الحكومة العراقية، وكمحاولة للتغطية على عجز حكومته، حاول في تصريحاته في مؤتمر صحافي عقده يوم الثلاثاء في بغداد، صرف الأنظار عن قضية المختطفين، وتحويلها من قضية مواطنين آمنين دخلوا البلاد بموافقة رسمية وبعلم السلطات العراقية وحمايتها، إلى قضية "أموال مهربة داخل حقائب قامت حكومته بالتحفظ عليها"، كأنه يستدعي سيادة وطنية منتهكة يجري العبث بها يومياً من قبل مليشيات مسلحة لها الكلمة الأولى والأخيرة في بغداد. والدليل على ذلك اختطاف المواطنين القطريين، وعدم قدرة حكومة بغداد على تحريرهم، على الرغم من علمها، حسب تقارير إعلامية عراقية، بهوية الخاطفين ومكان وجودهم.
ويكفي للتدليل على عجز حكومة العبادي عن ممارسة سلطاتها، الانتقاد اللاذع الذي وجّهه وزير الخارجية والمالية العراقي السابق، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، إلى السلطات العراقية بشأن إطلاق سراح الصيادين القطريين، إذ قال على صفحته على موقع "تويتر"، إن "إطلاق سراح الصيادين القطريين في العراق بعد 16 شهراً من الأسر من قبل جماعة مسلحة موالية لإيران وحزب الله الشيعي يُعد مهزلة لسيادة العراق".
تصريح العبادي عن أن تأشيرات المواطنين القطريين صدرت من وزارة الداخلية دون رضاه، وأنه لم يكن موافقاً عليها، يؤكد ما ذهب إليه زيباري، من هشاشة السيادة العراقية، وهشاشة سلطته كمسؤول أول أمام الشعب العراقي، عن حماية العراق والعراقيين وضيوف العراق، ويطرح أسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة أقلها عن هوية الحاكم الحقيقي للعراق الآن.


وربما وجدت الدوحة، بعد تصريحات العبادي العدائية أولاً في تشكيكها بنوايا الصيادين القطريين بالتوجّه إلى صحراء المثنى، أنه لا بد من الكشف عن بعض تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عن المواطنين القطريين الذين اختُطفوا في جنوبي العراق في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، فجاءت تصريحات وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لتكشف علم العبادي وحكومته بتفاصيل المفاوضات التي كانت تجري مع الخاطفين، والتي كانت حكومته باعترافها تلعب دور الوسيط فيها. وأكد الوزير القطري في تصريحات لقناة "الجزيرة"، "علم السلطات العراقية بتفاصيل المفاوضات، وأنها كانت على اطلاع كامل بها، وأن الحكومة القطرية لم تتوان خلال فترة الاختطاف التي امتدت لعام ونصف في التواصل مع السلطات العراقية، وكان هناك تنسيق تام في كافة التفاصيل، وأن السلطات العراقية طلبت من دولة قطر في أكثر من اجتماع دعمها في عملية تحرير المختطفين".
وحول الأموال التي تحدث عنها العبادي والذي قال إنه سيعيدها إلى قطر، أوضح الوزير أن "دولة قطر احتاطت في وقت سابق بإدخال أموال إلى العراق بشكل رسمي وواضح وعلني لدعم جهود السلطات العراقية في إطلاق سراح المختطفين القطريين، وأن هذه الأموال لم تدخل عن طريق التهريب كما ورد على لسان حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي". وتابع قائلاً "إن دولة قطر أرادت تقديم الدعم للسلطات العراقية، وإذا لم تكن تحتاج هذا الدعم، فإن الأموال ستعود إلى قطر وفقاً للإجراءات القانونية المناسبة للسلطات العراقية"، لافتاً إلى أن "هذه الأموال كانت قد أُدخلت إلى العراق بشكل علني في حقائب عادية ولم يدمغ عليها الدمغ الدبلوماسي لتجنيبها التفتيش"، وأن هذه الأموال كانت ستكون تحت تصرف السلطات العراقية. وشدد على أن دولة قطر لم تتعامل مع المجموعات المسلحة الخارجة عن سلطات الدولة، وقال "إن هذه الأموال إذا استُخدمت من قبل الحكومة العراقية لدعم هذه المليشيات فهذا شأن عراقي وليس شأناً قطرياً"، مؤكداً التزام دولة قطر بعدم انتهاك سيادة الدول والقوانين الدولية وعدم التورط في قضايا غسيل الأموال، وأن تلك الأموال أدخلت إلى العراق بشكل رسمي وستخرج من هناك بشكل رسمي أيضاً.
استمرار بغداد في الترويج لرواية عدم علم حكومة العبادي بالأموال القطرية، التي كانت على متن الطائرة، على الرغم من التصريحات العراقية المسبقة باطلاع حكومة العبادي ولعبها دور الوسيط في المفاوضات التي انتهت بتحرير المختطفين القطريين، يؤكد بالنسبة لكثيرين محاولة الحكومة العراقية التغطية على الدور الحقيقي الذي تقوم به المليشيات المسلحة في العراق. كما ينسف ذلك كل الجهود التي تبذلها الدوحة والدول العربية لإعادة العراق إلى محيطه العربي، والتأسيس لصفحة جديدة في العلاقات القطرية العراقية، والعلاقات الخليجية العراقية، وهي الصفحة التي بدأتها الدوحة عام 2015، حين بادرت بفتح سفارتها المغلقة في بغداد منذ عام 2003، وتعيين سفير لها فيها.