عرض اليوم الثاني من مؤتمر "العرب والكرد... المصالح والمخاوف والمشتركات"، والذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى ثلاثة أيام، مقاربة تركية جديدة للقضية الكردية، مبرزاً غياب موقف عربي وخليجي منها، على الرغم من أهميتها.
ولفت الباحث جويتار عقراوي، في معرض تحليله دور النظام الإقليمي العربي تجاه المسألة الكردية في العراق، إلى أن القضية الكردية لم تحصل على التوجيه المناسب لها فيما يصب في مصلحة الوحدة والديمقراطية في العراق، ولم تذكر أو يذكر "الكرد" في بيانات دول الخليج العربية خلال السنوات الفائتة كلها، مع أهمية هذه القضية وتعلقها، بصورة ما، بأمن الخليج.
وقال عقراوي في ورقة عمل قدمها في جلسات اليوم الثاني، والتي ناقشت "قضية القوى الإقليمية والمسألة الكردية في سورية والعراق، "إن هناك الكثير من العوامل التي أثرت على أداء النظام الإقليمي الخليجي، منها الموروث التاريخي وطبيعة النظام والعقلية السياسية للنخب الحاكمة، ومدى استيعابها القضايا التي تواجه هذه الدول".
واعتبر أن غياب سياسات متناسقة ومتوافقة داخل النظام الإقليمي الخليجي تجاه القضايا الداخلية والخارجية، كان أحد الأسباب التي أثرت على شكل وقلة التأثير في العلاقات العربية الكردية.
وحول الدور التركي في المسألة الكردية في العراق وسورية، قال الباحث علاء الدين جنكو، إن التسلسل الزمني لتعامل تركيا مع القضية الكردية تميّز بخط بياني متصاعد متشدد داخل تركيا حتى عام 2003، عندما جاء حزب "العدالة والتنمية" للحكم، إذ بدأ بنوع من الانفتاح تجاه الكرد، فبدأت حكومة "العدالة والتنمية"، عبر برنامجها الإصلاحي، حواراً مع الكرد، إلا أنّ الفضل في "كسر التابو"، في ما يتعلّق بالشأن الكردي، يعود إلى الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال.
وأضاف جنكو أن علاقة تركيا وتعاملها مع كرد العراق بدأت بعد حرب الخليج الثانية، أمّا بالنسبة إلى كرد سورية، فقد بقيت سياسة تركيا وتأثيرها فيهم في الاتجاه السلبي، نتيجةً لمعاقبة الكرد بـ "جريرة" ممارسات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني)، بحسب تقييم الحكومة التركية، وهكذا، دفع كرد سورية ضريبة الصراع بين تركيا وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، وهو ما أثّر سلبيًّا في طرحهم قضيتهم في المنابر الدولية، لوقوف تركيا ضدّ أيّ تمثيل خاص بهم ضمن جولات الحوار بين المعارضة والنظام برعاية الأمم المتحدة.
من جانبه، قدّم الباحث عماد قدورة ما قال إنه "المقاربة التركية الجديدة للقضية الكردية"، والتي تروم تغيير الوضع السائد، وقال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أبرز شعار الدولة الواحدة والأمة الواحدة والعلم الواحد، وما شجعه على هذا النهج الجديد، تراجع الزخم الذي أحدثه حزب "الشعوب الديمقراطي" خلال خمسة أشهر فقط، بعد خسارته مليون صوت.
وبيّن قدورة أن المقاربة التركية الجديدة تقوم على ثلاثة محاور، تكريس فكرة غياب المُحاور الكردي حاليا، وإضعاف حزب "الشعوب الديمقراطي"، والمواجهة العسكرية والأمنية ضد حزب "العمال الكردستاني"، والانفتاح على بدائل محتملة جديدة.
وكانت الجلسة الصباحية الأولى، قد بحثت المسألة الكردية في سورية، وتصورات النخب وحدود المشاركة السياسية، حيث عرض الباحث عبد الباسط سيدا تمايز المواقف الكردية وتباينها من الثورة السورية، والمتغيرات التي طرأت على المواقف الكردية في مختلف مراحل الثورة، وخلص إلى القول إن موقف الكرد لم يكن متجانسا ومتكاملا من الثورة السورية.
لكنه لفت إلى أن ذلك لا يخصّ الكرد وحدهم، بل يشمل سائر المكونات السورية، إذ يمكن تمييز ثلاثة مواقف معلنة (مؤيد، ومناوئ، ومراقب)، إضافةً إلى موقف آخر متريّث، يتفاعل مع الوضع وينتظر، مضيفاً أنّ الساحة الكردية السورية تشهد اليوم فرزًا واضحًا بين موقفين سياسيين رئيسين.
الأول يمثّله المجلس الوطني الكردي الذي يعمل في مؤسسات المعارضة السورية، مع وجود تباينات حول الموقف من بعض المسائل الخاصة بآفاق حلّ القضية الكردية في سورية في المستقبل، أمّا الاتجاه الآخر، فيمثله حزب "الاتحاد الديمقراطي"، والأحزاب الدائرة في فلكه، ولهذا الاتجاه مشروعه الإقليمي الذي لا يتقاطع مع المشروع الوطني السوري.
وقال الباحث حسين جلبي، إنه بعد قرن كامل من رسم الحدود السورية، حيث أصبح العرب والكرد وقوميات أخرى شركاء في الوطن، إلا أن الحقوق والواجبات لم توزع توزيعًا عادلًا على جميع المواطنين، فاستمر حرمان الكرد من التعبير عن هويتهم القومية، ولم يرد لهم ذكر في القوانين السورية، واتخذت الدولة السورية العديد من الإجراءات التي تهدف لصهرهم أو دفعهم لمغادرة البلاد.
وأشار إلى أن للقومية الكردية مسلكاً سلميًا للمطالبة بحقوق شعبها، وتتوج ذلك بتأسيس الحزب القومي الكردي عام 1957، لكن القضية الكردية ظلت مجهولة لكثير من السوريين، وبقي الكردي مصدرًا للقلق، فهو إما مهاجر أو انفصالي، حتى كانت انتفاضة آذار 2004، والتي حاولت تغيير الصورة النمطية المتعلقة بالكرد.
واعتبر الباحث شمس الدين الكيلاني، في ورقته التي قدمها حول "نظرة النخب السياسية السورية إلى المسألة الكردية" أن أكراد العراق وسورية تعرضوا استناداً إلى هذه النخب وسياستهم، إلى حالة من الدمج والانصهار الأيديولوجي، خلال العقود الأخيرة، وفي مختلف العهود، وحتى اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وأشار الكيلاني إلى إشكالية مفهوم "حق تقرير المصير"، والذي تحوّل كما قال إلى "نقطة بركار" تمركزت فيها جميع متعلقات المسألة الكردية، منذ أن اتخذتها الأحزاب الكردية عنوانًا لمطالبها بعد الثورة السورية، فانساقت النخب والأحزاب السورية العربية للمحاجّة في اشتراطات هذا المبدأ ومخاطره.