توالت التقارير الصحافية والإعلامية التي تناولت المؤتمر العام لـ"الجماعة الإسلامية" (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين)، والذي سيعقد عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم الأحد، وتنوعت معها عناوين "المفاجأة" التي تم الترويج عن إعلانها خلال هذا المؤتمر، الذي يأتي بعد حوالي العام على إجراء الانتخابات التنظيمية في الجماعة.
واختلفت التنبؤات حول المفاجأة بين توقع إحدى القنوات المحلية "إعلان الجماعة فك ارتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان"، وهو ما نفاه ممثل الجماعة في البرلمان اللبناني، النائب عماد الحوت. كما تم الحديث عن احتمال "لبننة" شعار الجماعة ووضع الأرزة (الشجرة التي تتوسط علم لبنان) في الشعار الجديد، وهو ما تم نفيه أيضاً.
وعلى ما يظهر من نص الوثيقة التي اطلع "العربي الجديد" عليها قبل نشرها فإن المفاجأة الوحيدة في الوثيقة هي أنها "بلا مفاجأة"، إذ تقدم مجموعة عناوين وخطط عريضة لمعالجة أزمة لبنان كوطن وأزمة الإسلاميين فيه، وتُحدد الرؤية ثلاثة أهداف تسعى الجماعة إلى تطبيقها وهي، "البناء القوي، الحضور الفاعل، الريادة والشراكة". وذلك في استجابة لـ"منطلقات الواقع اللبناني، المتمثلة في تعطيل المؤسسات السياسية وضعف الدولة، تعدد الهوية والانتماء ما أدى لانتشار الطائفية، ضعف العدالة والمساواة وتعارض المبدأين مع إخضاع المدنيين للمحاكم العسكرية والاستثنائية، وإلباس الصراعات السياسية لبوسا طائفيا، وانخراط فريق من اللبنانيين في الحروب الدائرة في سورية والعراق واليمن".
وعلى الصعيد الاجتماعي تتضمن الوثيقة المنطلقات، كما تراها الجماعة، وهي "الوضع الاقتصادي الصعب، ووجود مليون ونصف نازح سوري في لبنان". واللافت هنا استخدام واضعي الوثيقة لنفس المصطلح الذي تستخدمه الدولة اللبنانية لوصف السوريين الهاربين من سورية، وهو النازحون، بدل اللاجئين الذين يمنحهم القانون الدولي مجموعة حقوق إنسانية.
وعلى الصعيد الخارجي تنظر الجماعة بقلق إلى "تصاعد الخطاب المتطرف، وتشويه صورة الإسلام والهجمة على التيار الحركي مما يزيد من فعالية المجموعات المتشددة"، إضافة إلى "تطورات الثورة السورية وانعكاساتها على لبنان".
وبعد تقديم نفسها كـ"حركة إصلاحية تحرص على العيش المشترك مع جميع المواطنين وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأخلاقية، وتتعاون مع الجميع من أجل تحقيق العدالة والمحافظة على حقوق الإنسان وحرياته"، تقول الجماعة في رسالتها الواردة ضمن الوثيقة إنها تسعى "لمرضاة الله، وممارسة المعنى الشامل للعبادة، وجمع المسلمين حول الفهم الصحيح للإسلام، والعيش المشترك، وتحقيق العدالة".
وبعد شرح الواقع العام في لبنان من وجهة نظر الجماعة، التي تأثرت كحركة السياسة بمجريات ثورات الربيع العربي، وبروز الحركات الإسلامية الإخوانية في أكثر من دولة، ثم تراجعها وباقي القوى الثورية، إما لمصلحة الأنظمة أو التنظيمات المتطرفة، تُقدم الوثيقة أربعة محاور تركيز، أولها "البناء القيمي" الذي يهدف لـ"بناء الإنسان الصالح المصلح من خلال منظومة تحصين فكري وقيمي، وإنشاء محضن تربوي نموذجي للشخصية المسلمة الملتزمة بالنظام والشورى، وأكاديمية البناء القيادي الموجهة للشباب، وبرنامج بناء وتطوير القدرات".
وتخضع هذه المنظمة لأطر العمل المؤسسي الذي يشكل ثاني محور من محاور التركيز الأربعة، وذلك من خلال "العمل ضمن هيكل مؤسساتي مرن، وانتخاب كافة المسؤولين في مختلف مستويات العمل داخل الجماعة، ومراعاة التوزيع القطاعي والمناطق للهيئات".
وعلى صعيد المجتمع تركز الوثيقة على "ترسيخ الإيمان بالقيم والرسالات، والعدالة والمساواة، والتكافل ورعاية الأسرة، وحفظ الأمن، دعم دور المرأة التكاملي مع الرجل". ويندرج ضمن المحاور "مشروع المسجد النموذجي" الذي يرد إلى جانب "تطوير التعليم الرسمي" كسبل لمواكبة الشباب وحمايتهم.
وعلى الصعيد السياسي ترى الجماعة أن الدولة يجب أن تحترم "المواطنة، والتداول الدستوري للسلطة، ويسود فيها القانون ويسمو أمن المجتمع فيها على أمن الأحزاب". كما تحرص الجماعة على "ممارسة الطوائف لخصوصياتها في الأمور الدينية والأحوال الشخصية"، انطلاقا من رؤيتها بأن "الدولة لا تعارض فيها بين المواطنة والطوائف". كما تنص وثيقة الجماعة على وجوب "استثمار الثورات ومحاربة الفساد في الدولة".
وتحدد الوثيقة مجموعة أهداف تُحقق رؤيتها للدولة، ومنها: "استكمال تطبيق اتفاق الطائف، اعتماد اللامركزية الإدارية والإنماء المتوازن، رفض السلاح غير الشرعي، ورفض زج لبنان في الصراعات الإقليمية، وأخيرا حماية الحريات ومنع تعديات التوقيفات وإلغاء صلاحيات المحاكم العسكرية".
كما تطرح الجماعة التي شاركت في تأسيس "المقاومة الإسلامية" إلى جانب "حزب الله" في ثمانينيات القرن الماضي، رؤية عامة ومُبسطة للاستراتيجية الدفاعية كما تراها. وتُسقط هذه الرؤية أي دور لشريكها السابق في المقاومة، لصالح "الشعب والجيش"، من خلال التأكيد على "العداء الثابت والواضح للكيان الصهيوني، وحق الشعب في تحرير أرضه، وتطوير قدرات الجيش وتحييده عن التجاذبات المحلية". كما تدعو الجماعة إلى "بناء صيغة توازن الرعب مع العدو الصهيوني"، وهو نفس المصطلح المُستخدم في الأدبيات العسكرية للجماعة منذ الثمانينيات.
وفي مجال العمل الإسلامي الذي تُصر الجماعة على عدم فصله عن العمل السياسي المحلي، بعكس رغبة بعض كوادرها الذي يدعون لتفعيل حزب "الإصلاح والتنمية" الذي أسسته الجماعة، وتقديمه كإطار استيعابي مقبول لمُختلف شرائح الشعب اللبناني الذين يؤمنون بخطاب الجماعة السياسي، ولكنهم غير مُلتزمين دينيا، وتقدم الجماعة نفسها كطرف جامع يعمل على "تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام، وجمع الأطياف الإسلامية ضمن لقاء تشاوري لأطياف الساحة الإسلامية، والمساهمة في تطوير المؤسسات الإسلامية، وتسخير علاقات الجماعة الإسلامية الخارجية لخدمة لبنان والقضايا العادلة".
وتدعم الجماعة "قضايا الشعوب العادلة وقضية الشعب الفلسطيني وحق الشعب السوري في سعيه للحرية". وتتبنى الجماعة الموقف الرافض لربط الإرهاب بالمجتمعات المسلمة فقط، وتدعو لمواجهته ضمن خطة تتجاوز العمل الأمني وحده، نحو معالجة فكرية واقتصادية أشمل". وترى الوثيقة أن "أسباب الإرهاب هي العنف والظلم السياسي، والفهم الخاطئ للدين، والفقر، والرعاية المخابراتية، وانحياز المجتمع الدولي لمصالحه على حساب الشعوب". وتميز الجماعة بين "مقاومة الاحتلال في فلسطين ودفاع الشعب السوري عن نفسه وبين الإرهاب".