"الحقيقة والكرامة" التونسية: لا مصالحة خارج إطار العدالة الانتقالية..و"قانون السبسي" مصالحة مغشوشة
أكدت هيئة الحقيقة والكرامة بتونس أنّ "لا مصالحة إلا في إطار مسار العدالة الانتقالية"، داعية إلى "التقيد بالدستور الذي يضبط شروط وآليات العدالة"، مجددة رفضها لمشروع قانون المصالحة الذي قدمته رئاسة الجمهورية، على اعتبار أنه "مصالحة موازية ومغشوشة، كما أنه لن يساهم في كشف الحقائق والانتهاكات وجبر الضرر للضحايا".
وأمام الجدل الكبير الذي أثارته مبادرة رئيس الجمهورية حول المصالحة، ومناقشة هذا المشروع داخل مجلس نواب الشعب، عقدت هيئة الحقيقة والكرامة، اليوم الخميس، مؤتمرا صحافيا لكشف موقفها، مبينة أن "الجلسة العلنية التي ستنتظم مساء غد ستخصص لتقديم شهادات معنية بالمصالحة".
وقال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة، خالد الكريشي، لـ"العربي الجديد"، إنّ مشروع القانون الذي قدمته رئاسة الجمهورية، في يوليو/ تموز 2015، هو مشروع مواز لمسار العدالة الانتقالية، معتبرا أنه "طالما أن الهيئة تقوم بدورها في مجال التحكيم والمصالحة فإنه لا فائدة من إنجاز قانون جديد يثقل كاهل الدولة، ومشروع مواز يتسبب في احتقان اجتماعي وسياسي من شأنه تهديد المصالحة الحقيقية والوحدة الوطنية".
وأوضح الكريشي أن "الهيئة تعمل على المصالحة الشاملة، وهي بصدد الاشتغال على العديد من الملفات"، مبينا أن "جميع أصناف الانتهاكات في تونس معنية بالمصالحة وبالتحكيم داخل الهيئة".
وقال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة إن "الهيئة ملزمة بالشفافية، وقد حققت خلال فترة عملها الوجيزة العديد من النجاحات، وبتت في الكثير من الملفات" ، معتبرا أن "التونسيين سيكتشفون يوم غد الجمعة أن المسار الذي اتبعته الهيئة ناجع، وهو الإطار الأنسب للمصالحة".
وبيّن المتحدث ذاته أنه "طالما أن باب المصالحة مفتوح، وأن جميع من قاموا بانتهاكات ضد الدولة ونهبوا المال العام بإمكانهم تقديم طلبات للهيئة، فإنه لا فائدة من إقامة مشروع جديد وهيئة موازية".
وأضاف أنه "تم إبرام 3 اتفاقيات صلح وتحكيم، وإيداع مبالغ مالية هامة لخزينة الدولة، خاصة بعد صدور أحكام نهائية في أحد الملفات"، مؤكدا أنه "من إجمالي 5661 ملفا نظرت فيه اللجنة، والتي تتنوع بين انتهاكات حقوق الإنسان وفساد مالي، فإنه تم تحقيق نتائج إيجابية رغم الصعوبات ومحاولات التشكيك في أعمال اللجنة".
وأشار إلى أنهم يوجهون نداء إلى المكلف العام بنزاعات الدولة للتعامل بإيجابية أكبر مع الملفات التي ترسلها الهيئة، "خاصة وأن العديد ممن قاموا بتجاوزات مالية مستعدون لإرجاع المال العام، ومع ذلك فإن الدولة ترفض أو لا تجيب على الملفات".
وقالت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، إن "الهيئة لاحظت عدم تجاوب الدولة معها"، مشيرة إلى أن "الدولة ملزمة، بحسب الدستور التونسي، بمسار العدالة الانتقالية وبمساعدة الهيئة".
وأضافت أن "غياب الإرادة في مساعدة الهيئة يظهر من خلال المناشير التي ترسلها الهيئة لرئاسة الحكومة لنشرها في الرائد الرسمي، ومع ذلك لا يتم نشرها، كما أن هناك صعوبات في التعامل مع المكلفين العامين بنزاعات الدولة، باستثناء المكلف العام الذي تمت إقالته أخيرا، والذي لا نعرف إلى الآن حقيقة إقالته"، مبينة أن "أغلب الذين عينوا في هذا المنصب عادة يؤجلون النظر في الملفات، رغم أن الهيئة لديها فترة عمل محددة، ولم يبق أمامها سوى عام واحد للبت في الملفات، أو سنتين في حال التمديد في عملها لعام آخر".
وأكدت بن سدرين أن "وزارة الداخلية لا ترغب في المصالحة، وقد رفضت تقريبا أغلب ملفات التحكيم التي أرسلت إليها"، داعية إياها إلى مراجعة موقفها.
وقالت رئيسة لجنة البحث والتقصي بالهيئة، علا بن نجمة، لـ"العربي الجديد"، إن القانون عدد 53 للعدالة الانتقالية ينظم مسار العدالة والمصالحة، مبينة أن "التفكير في قانون جديد يكون عند فشل المسار الأول، أو أمام عدم قدرته على القيام بمصالحة شاملة، ولكن هذا لم يحدث، ومع ذلك فإن رئاسة الجمهورية تتمسك بطرح البديل".
وأوضحت أن "هيئة الحقيقة والكرامة دستورية وتتميز بالاستقلالية والشفافية"، مبينة أن "المصالحة داخل الهيئة تقتضي من مرتكبي التجاوزات الحضور في الجلسات العلنية للاعتراف بما ارتكبوه، ولكشف منظومة الفساد والدكتاتورية وضمان عدم تكرار التجاوزات، وكشف المنظومة القديمة كي لا تعود مجددا".
وأشارت إلى أن "مشروع قانون المصالحة المقدم من رئاسة الجمهورية لا يقدم الضمانات التي تفرضها الهيئة"، مبينة أنه "مشروع غير دستوري، ولا يطرح مصالحة شاملة".