منذ ساعات الصباح الأولى ليوم أمس الذي أعقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت الجمعة، بدأت النتائج الرسمية تصب لصالح الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي استطاع التغّلب على منافسه المحافظ إبراهيم رئيسي، بفوارق بسيطة أولاً، ثم اتسعت المسافة بينهما بمرور الوقت، ليحصل روحاني على 23 مليون صوت، بنسبة 57 في المائة من أصوات الناخبين الذين بلغ عددهم حوالي 41 مليوناً، مقابل 15 مليون صوت لرئيسي، بنسبة تجاوزت 38 في المائة، فيما حصل المرشحان الآخران، المعتدل مصطفى هاشمي طبا، والمحافظ مصطفى مير سليم على نسب متدنية.
نتيجة هذا الاستحقاق الرئاسي، تعني أن الشارع الإيراني قرر منح روحاني فرصة جديدة، أو بالأحرى قرر منحه وقتاً أطول لحصد النتائج الاقتصادية التي كان يتحدث عنها مرتكزاً على الاتفاق النووي، وتعني أيضاً أن الإيرانيين ليسوا راغبين في العودة للخطاب المحافظ المتشدد في منطقة يشوبها الكثير من الأزمات.
هذا الاستحقاق الانتخابي حقق لإيران ولكلي مرشحيها، مكتسبات جمة، فعلى الصعيد العام، استطاعت نسب المشاركة التي تجاوزت السبعين في المائة أن تنعش العملية الانتخابية في البلاد. فمنذ أن دخلت إيران في دوامة أعقبت احتجاجات الحركة الخضراء في العام 2009، لوحظ تراجع الإقبال على الصناديق أحياناً، خصوصاً من قبل الفئة المؤيدة للإصلاحيين الحقيقيين، إذ اعتبر هؤلاء في وقت سابق أن مقاطعة الانتخابات تعني نوعاً من الاعتراض على الوضع الموجود. معادلة خفّ وهجها بمرور الوقت، وركز المسؤولون على كافة المستويات على سياسات تهدف بالدرجة الأولى إلى شد المواطنين نحو صناديق الاقتراع، بما يرمم جروح تلك الأزمة.
دخلت إيران في استحقاقات انتخابية عدة منذ ذاك الحين، منها ما كان رئاسياً، أو تشريعياً، وشكّلت نسبة المشاركة التحدي الأكبر للساسة بالدرجة الأولى، فنجحوا بالفعل، خلال السنوات القليلة الماضية، في التخلص من تلك العقبة تدريجياً، لكن رئاسيات هذا العام التي انتهت بالتجديد لروحاني استطاعت أن تغلق ذلك الباب بالكامل.
فبعد أن وجّه الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي رسالة مصورة للإيرانيين، وهو الممنوع أصلاً من الظهور على وسائل الإعلام المحلية، كما يُمنع تبادل الأنباء والتصريحات التي تتعلق به عبرها، استطاع أن يشد نسبة كبيرة من الشباب الإيراني نحو صناديق الاقتراع للتصويت لصالح روحاني، والأمر ينطبق على كل الإصلاحيين ومؤيديهم كذلك.
في الوقت نفسه، لاقت دعوة المرشد الأعلى علي خامنئي اهتماماً بالغاً، فخلال الأيام التي سبقت الاستحقاق دعا مرات عدة إلى مشاركة شعبية كثيفة، كونها ستؤكد مشروعية الجمهورية الإسلامية، فلاقى خطابه هذا ترحيباً من قبل الفئة المحافظة ومؤيديها أولاً، وحتى من قبل تلك المعتدلة والإصلاحية، فحين يتعلق الأمر بمركز إيران وأهميتها وصورتها أمام الآخرين، يستجيب غالبية المواطنين الإيرانيين للرسالة عادة.
على صعيد آخر، حققت هذه الانتخابات لروحاني، ومعه المعتدلون والإصلاحيون، مشروعية كبرى، ستكون كفيلة بتهدئة الأجواء في البلاد، كما ستزيد المساعي الإيرانية الرامية إلى الحفاظ على الاتفاق النووي، في ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، وهو ما يعني كذلك دوراً إيرانياً مؤثراً في ملفات إقليمية كثيرة. فلو وصل المحافظ إبراهيم رئيسي إلى المقعد الرئاسي، لاختلفت الأمور كثيراً في ما يتعلق بسياسة التعامل مع الغرب، وحتى مع الجيران.
فوز روحاني كذلك يعني أن المعتدلين من المحافظين ما زالوا أكبر عدداً وأكثر تأثيراً من أولئك المحافظين التقليديين، إذ صوّت عدد من رجال الدين لروحاني، فهو حتى وإن كان مقرباً من الإصلاحيين، لكنه بالنتيجة رجل دين معمم معتدل، ويحظى بشعبية بين هؤلاء.
أما على الصعيد الثالث، المتعلق بالمحافظين، فهناك مكاسب حقيقية أيضاً، حتى في ظل واقع خسارة رئيسي أمام روحاني. فقد عرّف المحافظون الشارع المؤيد لهم بشخصية جديدة، لديها خبرة قضائية واسعة، من دون أن يكون لديها تجربة سياسية حقيقية، فأعطى هذا الاستحقاق الرجل شعبية كبيرة حتى مع خسارته، وهو ما يعني تجهيزه لاستحقاقات مهمة مقبلة، منها ما قد يكون مصيرياً لإيران.
وبات رئيسي صاحب لقب "خادم الشعب" بمثابة الشخص الذي تجرأ على محاكمة سياسات الاعتدال، وهو ما يلقى صدى بين فئات دون أخرى، وحقق له مكاسب داخلية. فكان المحافظون يبحثون عن شخص مناسب يستطيع أن يجمع جبهات هذا التيار من جديد، كما يكون قادراً على تقديم الخطاب الأساس والأصيل لهذه الفئة، بعد أن عانى المحافظون كذلك من تفرق جبهاتهم وآرائهم، بسبب سياسات انتهجها الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد أولاً، وبسبب صعود نجم تيار الاعتدال، الذي يضم بطبيعة الحال شخصيات محافظة وإصلاحية ذات توجه معتدل.