يبدو أن مسار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الخاسر في الشرق الأوسط يدفعه باتجاه فتح جبهة جديدة، لا في شمال أفريقيا ولا في آسيا الوسطى وتحديداً أفغانستان، بل على مقربة من بحر الصين الجنوبي، في منطقة ماراوي، في جزيرة مينداناو، في الجنوب الفيليبيني. تحوّل ليل المدينة الواقعة على بحيرة لاناو، إلى جحيم، يوم الثلاثاء، إثر الاشتباكات التي دارت بين عناصر من التنظيم وقوى الأمن، على خلفية محاولة الأخيرة إلقاء القبض على زعيم "داعش" في الفيليبين، إسنيلون هابيلون، الملقّب بـ"أبو عبدالله الفيليبيني"، المعروف بكونه أيضاً أحد قادة جماعة "أبو سياف"، ويترأس مجموعة مدعوة بـ"ماوتي"، تضمّ نحو 100 عنصر. وعلى أثر الاشتباكات، اختصر الرئيس الفيليبيني، رودريغو دوتيرتي، زيارته إلى روسيا، عائداً إلى بلاده ومعلناً الأحكام العرفية في كامل جزيرة مينداناو، متوجهاً إلى المواطنين بقوله: "أقول لأبناء وطني الذين جرّبوا الأحكام العرفية: لن يختلف الأمر عما فعله الرئيس (فرديناند) ماركوس. سأكون قاسياً". وأضاف "إذا تطلّب فعل ذلك عاماً فسوف نفعله. إذا انتهى الأمر في شهر فسأكون سعيداً. إلى أبناء وطني... لا تفزعوا".
هذه التطورات جاءت في وقتٍ حرجٍ بالنسبة للفيليبين، الساعية لنقل تحالفاتها من الولايات المتحدة إلى روسيا، وفقاً لما أفاد به دوتيرتي بالذات، المعروف بتصريحاته النارية، ثم العودة عنها باعتذار. لكن الرئيس الفيليبيني حالياً، بات الأكثر تأييداً من قبل الجميع. فقد طالب روسيا بدعمه بالسلاح المتطور لمحاربة "داعش". أما سعيه لقطع العلاقة مع الولايات المتحدة، أو تخفيفها، فلا يبدو أنها ستحصل في ضوء الدعم الذي يلقاه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
فقد أشاد ترامب بما سماها "حرب" دوتيرتي على المخدرات، وهي الحرب التي أودت بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، منذ وصول دوتيرتي إلى السلطة في يونيو/حزيران الماضي. إشادة ترامب، تمّ الإفراج عنها، يوم الثلاثاء، عبر صحيفة "واشنطن بوست" وموقع "ذي إنترسيبت"، اللذين كشفا بأن "ترامب تداول مع دوتيرتي في اتصال هاتفي في 29 إبريل/نيسان الماضي، مسألة الحرب على المخدرات. وهنأ ترامب الرئيس الفيليبيني لقيامه بمهمة تفوق التصور حيال مشكلة المخدرات".
وأضافت الصحيفة والموقع بأن "ترامب دعا الرجل الطيب (دوتيرتي) لزيارة البيت الأبيض في أي وقت يرغب"، علماً أنهما سيلتقيان في الفيليبين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. كما أوردت الصحيفة والموقع بأن "دوتيرتي ردّ على ترامب قائلاً: إن المخدرات آفة أمتي الآن وعليّ القيام بشيء للحفاظ على الأمة الفيليبينية". وفيما يبدو أنه إشارة إلى سلفه باراك أوباما الذي كان قد ألغى اجتماعاً ثنائياً مع دوتيرتي بعدما وجه الرئيس الفيليبيني إهانات شخصية إليه، قال ترامب "أفهم ذلك بشكل كامل (إهانات دوتيرتي لأوباما) وأعتقد أنه كان لدينا رئيس سابق لم يفهم ذلك".
تبدو مسارات الأمور في الفيليبين حالياً وكأنها على مفترق طرق قبل أسابيع من الذكرى الأولى لرئاسة دوتيرتي للبلاد، وفي وقتٍ يستمر فيه "شدّ الحبال" بينه وبين الشيوعيين، بات الرئيس الفيليبيني أمام مهمة هي الأكثر خطورة في عهده، تتجاوز شراستها الحرب ضد عصابات المخدرات أو مواجهة أحزاب ما، إلى الحرب الأقوى في تاريخ البلاد منذ سقوط عهد فرديناند ماركوس في عام 1986... الحرب ضد "داعش".