وتزامن التطوّر اللافت في موضوع الفساد، مع الاستطلاع الشهري لمؤسسة "سيغما كونساي" مع جريدة "المغرب"، الذي كشف أن نسبة التشاؤم لدى التونسيين تراجعت 14 نقطة، وارتفعت أسهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد 14 نقطة أيضاً. وكان الشاهد قد اعتبر في مسألة محاربة الفساد أنه "لم تعد هناك خيارات، فإما الدولة وإما الفساد، وأنا اخترت تونس واخترت الدولة".
بدورها، أعلنت جمعيات المجتمع المدني والناشطون والمنظمات الوطنية الكبرى واتحاد الشغل ورجال الأعمال والفلاحين، وعدد كبير من الأحزاب في الائتلاف والمعارضة، عن دعمها للشاهد. ودعت كذلك إلى مؤازرته في هذه الخطوة، في ظلّ إطلاق ناشطين حملات مثل "معاً ضد الفساد". كما دعا عدد كبير منهم إلى تجمّع شعبي أمام قصر الحكومة في القصبة لدعم الشاهد في حربه الجديدة. وانخرط نواب في العملية، وأعلن عدد منهم عن تقديم طلب رسمي لرئيس البرلمان لرفع الحصانة عنهم، لتسليط ضغط على بقية النواب، بعدما راجت إشاعات عن إمكانية ملاحقة عدد منهم.
من جانبها، عقدت حركة النهضة اجتماعاً لمكتبها التنفيذي، عبّرت على أثره عن "دعمها الكامل لجهود الحكومة في مقاومة الفساد، باعتبارها من أهم استحقاقات الثورة وأولويات المرحلة وحكومة الوحدة الوطنية ووثيقة قرطاج". وأكدت على "حاجة البلاد والمرحلة والثورة لخطة واضحة وشاملة ومتواصلة، لمقاومة الفساد والضرب على أيدي الفاسدين لوقف محاولات استضعاف الدولة ونزيف وسرقة مقدراتها، فضلاً عن إرباكها وتهديد مسار الانتقال الديمقراطي وتعسير الانتقال الاقتصادي". ودعت كل "الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والإعلاميين إلى معاضدة جهود الحكومة في محاربتها للفساد، وحرصها على تنقية الفضاء العام من آثاره السلبية على الدولة والوضع العام بالبلاد".
وأكد حزب "نداء تونس" من جهته، على مساندته لـ"الجهد الرسمي الحكومي لمقاومة الفساد، باعتباره عنصراً جوهرياً في برنامج وثيقة قرطاج وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية". وجاء البيان لتوضيح علاقة الحزب بأحد رجال الأعمال الذين تم إيقافهم، ما دفع المدير التنفيذي للحزب، حافظ قائد السبسي، لإضافة تدوينة على صفحته قال فيها "ندعم حكومة يوسف الشاهد في حربها الشعواء على الفساد ونثمن مجهوداتها للقضاء على هذه الآفة".
غير أن أحد قياديّي الحزب، النائب منجي الحرباوي، أثار استغراب عديدين عندما تساءل على صفحته الرسمية، كيف تتعامل الدولة بمنطق الخطف من دون تقديم توضيحات حول التوقيفات، منتقداً ما سمّاه "صمت الأقلام الحقوقية".
ودعم حزب "آفاق تونس" كذلك خطوة الشاهد معبّراً عن "ارتياح كبير للبوادر الأولى لانطلاق الحرب على الفساد والمفسدين. حرب ستكون بلا شك طويلة المدى وستتطلب إمكانيات بشرية ومادية هائلة، وشجاعة وجرأة وإرادة سياسية لكسبها"، مؤكداً دعم الحزب لـ"كل سياسات الحكومة وخياراتها وتحركاتها التي تصب في هذا الاتجاه".
ولكن زعيم الحزب، الوزير السابق ياسين إبراهيم، ذكر على صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، أن "القرار الحكومي يمكن أن يمثل منعرجاً مهماً للانتقال الديمقراطي في بلادنا. وإن إيقاف رجل أعمال تحوم حوله شبهات رغم وجوده سابقاً (أو ممكن لليوم) في حزبه، نداء تونس، هو عمل نزيه وشجاع... ولكن ينبغي التعجيل بشرح الأسباب للرأي العام".
من جهته، اعتبر حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، أن القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة بوضع عدد من المتورطين في قضايا فساد مالي واقتصادي رهن الإقامة الجبرية، خطوة إيجابية نحو تجسيم إحدى خطوات وثيقة أولويات قرطاج. ودعا الحزب في بيان له، إلى أن يكون هذ القرار خطوة استراتيجية ناجعة في تفكيك منظومة الفساد والتهريب والرشوة التي نخرت اقتصاد البلاد وساهمت في دعم شبكات الإرهاب.
وحيّا الحزب الجمهوري القرار الشجاع الذي اتخذته حكومة الوحدة الوطنية المتعلق بفتح ملف الفساد، ودعاها للمضي قدماً في تنفيذ إحدى أولويات وثيقة قرطاج واستعادة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. ودعا "كل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني مهما كان موقعها إلى إسناد حكومة الوحدة الوطنية في حربها على الفساد من أجل عزة تونس وكرامة مواطنيها".
"حراك تونس الإرادة"، حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي، أعلن بدوره عن "دعمه لأي خطوة جدّية للحكومة تندرج ضمن محاربة الفساد ومتابعة شبكاته ومحاكمة فاعليه، ضمن استراتيجية واضحة وشاملة وغير انتقائية أو موجّهة، حتى تحقق أهدافها وتضمن التفاف أغلب القوى الوطنية حولها".
وطالب الحراك في المقابل، بـ"احترام الإجراءات القانونية وكل ضمانات المحاكمة العادلة، وبالشفافية الكاملة حول أسباب حملة الاعتقالات وقائمة المعتقلين، ثم حول مآلات ملفات المعتقلين وشبكات فسادهم ونفوذهم، حتى تكون هذه العملية منطلقاً لتفكيك تلك الشبكات وغيرها، وليس مجرد عملية تكتيكية وقتية لا تترك أثراً وربما تقوي شبكات نفوذ منافسة".
ودعا الحزب "منظومة الحكم لإثبات جديتها في محاربة الفساد عبر سحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية"، منبّهاً إلى "ضرورة عدم تغطية الضجة الإعلامية المرافقة للاعتقالات الأخيرة على المطالب الشرعية للتحركات الاجتماعية الناضجة الحاصلة في منطقة تطاوين وبقية جهات البلاد والمتعلقة باستحقاقات التشغيل والتنمية والتمييز الإيجابي".
واعتبرت "الجبهة الشعبية" أن "مقاومة الفساد ينبغي أن تستند إلى استراتيجية وطنية شاملة وواضحة، تتعامل مع الفساد كمنظومة متشابكة وذات ارتباط بالمناخات السياسية وبالاختيارات الاقتصادية. وينبغي أن تتوفّر لها الإرادة السياسية وكافة الإمكانات القانونية والمادية والبشرية حتى لا تكون مجرّد عملية معزولة لتوجيه الرأي العام في ظلّ احتقان اجتماعي واسع، وتأزّم سياسي كبير وفشل رسمي ذريع في إدارة البلاد. على أن يتم ذلك في كنف احترام الدستور والقانون باعتبار أن المحاكمات العادلة والشفافة شرط أساسي من شروط مكافحة الفساد".
وأثارت موجة التوقيفات جدلاً قانونياً وحقوقياً، وأكدت جمعية القضاة التونسيين، ضرورة أن "توضح الحكومة رسمياً وبصفة مباشرة، ملابسات إيقاف عدد من رجال الأعمال المعروفين والأشخاص الآخرين، وسندها القانوني في ذلك"، مشددة على أهمية "إثبات إرادة سياسية فعالة في مكافحة ظاهرة الفساد، التي تهدد كيان الدولة وسلامة الانتقال الديمقراطي".
وطالبت الجمعية في بيان لها، بـ"الإسراع في تعهيد القضاء بوضعيات الأشخاص الذين تواترت الأخبار حول إيقافهم ووضعهم قيد الإقامة الجبرية، وتمكينه من ملفات مؤيدة بجميع الحجج والأدلة المتحصل عليها، احتراماً لمقتضيات الدستور".
هذا الجدل القانوني دفع وزارة الداخلية التونسية إلى إصدار توضيح رسمي، يبيّن أنه "عملاً بقانون الطوارئ الذي خوّل وضع أيّ شخص يعتبر نشاطه خطيراً على الأمن والنظام العامين تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معيّنة، تمّ اتخاذ قرارات بالإقامة الجبرية في شأن عدد من الأشخاص على أساس ما توفّر من معطيات تثبت ارتكابهم لخروقات من شأنها المساس الخطير بالأمن والنظام العامين".