ارتياح شديد لدى الناخبين الفرنسيين من أصول عربية، ولدى غيرهم من المهاجرين غير الفرنسيين. وهو لا يخفى على وجوه الذين التقيناهم في حي باربيس وسائر الأحياء الشعبية التي يقطنها أو يرتادها كثير من العرب والمهاجرين.
بائع الكشك المقابل لميترو باريس، حيث تتواجد عنده معظم الصحافة العربية، يقول لـ"العربي الجديد": "لقد عبّر الرئيس ماكرون، بنفسه بعد الفوز، بأنه يريد مصالحة الفرنسيين في ما بينهم، وحين دعا إلى التضامن والعيش المشترك". ويضيف: "هل تتصورني حزيناً على هزيمة مارين لوبان؟!"، قبل أن يعلق: "معظم الفرنسيين صوّتوا ضد مارين لوبان، وكذلك الأغلبية المطلقة من الفرنسيين من أصول أجنبية كانوا قلقين من خطاب مارين لوبان وابتزازها السياسي وتشكيكها في وطنيتهم وولائهم لفرنسا".
ولكن، يتابع بائع الكشك: "لن أمنح صوتي لماكرون في الانتخابات التشريعية. فهو لم يكن مرشحي في الدورة الأولى، وأنا متوجّسٌ بشكل عميق، من ليبراليته المفرطة".
وغير بعيد من محطة "غار دي نور"، التي تكتظ بالمسافرين وكثير من الباعة الأفارقة، وهو ما دفع قبل شهور نادين مورانو، القيادية في حزب "الجمهوريون"، والقريبة من أفكار مارين لوبان، إلى إبداء الحسرة من تحول هذه المنطقة الفرنسية إلى ما يشبه أفريقيا. وفي مقهى شعبي هناك، التقى "العربي الجديد" بالباحث والموسيقي سعيد المغربي ومحمد زرولت، رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في أوروبا، وبالمواطن الأحمدي، الذي يعرف حي باربيس والحركة العمالية المغاربية، منذ سبعينات القرن الماضي إلى اليوم، عن ظهر قلب.
كان سعيد المغربي في غاية الارتياح، وقال على الفور: "حين نعلم أن أكثر من 92 في المائة من فرنسيي المغرب صوتوا لصالح ماكرون ضد مارين لوبان، لا بد أن تحس بالغبطة، والأمل".
وأما محمد زرولت، الذي لا يُخفي أنه يفضل برنامج جان لوك ميلانشون وتجربته، فلا يجد حرجاً في كشف منحه صوته لماكرون: "لقد انتخبت لصالح ماكرون، دون أي تردد. وكان ضميري مرتاحاً جداً".
الأحمدي، من جهته، لا يخفي حزنه على الحال التي وصل إليها اليوم الحزبان الشيوعي والاشتراكي. ويعدد مواقف الحزبين من العرب والمهاجرين خاصة في الجانب الاجتماعي، لكنه يقول: "لم أحتج إلى كثير من الوقت، ولا إلى المناظرة بين المرشحَيْن ولا إلى مناشدة رجال السياسة من اليمين واليسار، حتى أتخذ قراري. أنا مع أي مرشح سوى مارين لوبان"، ويستدرك: "لكن لا تزال تنتظرنا الانتخابات التشريعية، وكل شيء ممكن في السياسة".
جولييت، العاملة في محطة القطار، تُجيبنا بكل تلقائية عن الرئيس الجديد: "نعم، منحته صوتي، وأنا أعتبره نصف صوت فقط. شبابه ورقة رابحة في الجمهورية، ومن المؤكد أنه سيكون أكثر إنصاتاً للشباب الفرنسي وتفهماً لمشاكله وهمومه. وكُنْ على يقين أنه يحتاج أصواتنا أيضاً في الانتخابات التشريعية. لهذا علينا أن نمنحه صوتنا كاملاً".
روبير، العجوز، والذي لا يزال يشتغل حارساً في عمارة، والذي لا يتوقف عن الحديث عن "الجزائر الفرنسية"، لم يُخْف أنه صوّت لصالح مارين لوبان: "هي وحدها، التي تتفهم مشاعر أولئك الفرنسيين الذين خسروا كلَّ شيء في الجزائر"، وتساءلَ: "كيف يمكن أن أمنح صوتي لمن يرى في تواجدنا في الجزائر جريمة ضد الإنسانية؟"، قبل أن ينهي كلامه: "بالطبع، سأمنح صوتي لمرشح الجبهة الوطنية في الانتخابات القادمة. لأنه يجب وضع كل البيض في سلة إيمانول ماكرون، مرشح المال والخارج".
وليس من شك، أن كل شيء لم يتقرر بعدُ، بعد انتخاب فرنسا لرئيسها الجديد، ففرحة الرئيس المنتخب انتهت اليوم، وبدأ الأصعب، تأليف حكومة مناصفة (نساء، رجال، وسياسيو، مجتمع مدني)، ثم بدء الإصلاحات المستعجلة، ثم الخروج بقوة من الانتخابات التشريعية. وهو ما يثير اهتمام وقلق الفرنسيين جميعاً.