لطالما اتُّهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ قراره خوض سباق الرئاسة، حتى فوزه بها، بانتهاجه سياسة "انعزالية" عنيفة، تعود إلى حقب بعيدة في الماضي (الذي يريد ترامب استعادة عظمته)، وهو اتّهام لم يكن مقترنًا بلغة الخطاب التي وظّفها ترامب، مختزلةً في شعار "أميركا أولًا"، فحسب؛ بل بوعود عديدة أطلقها خلال الحملة، من ضمنها تعهّده بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وهو ما تمّ بالفعل قبل يومين.
ومع تعاظم تهديدات المناخ، وظهور إشكاليّات بيئية عالميّة، مثل الاحتباس الحراري وثقب الأوزون، توجّهت جهود العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديدًا منذ اتفاقية كيوتو المناخية عام 1992، لتطويق الخطر الذي يتهدّد كوكب الأرض، ثمّ توّج باتفاق باريس عام 2015 الذي أجمع عليه السواد الأعظم من دول العالم، قبل أن يأتي ترامب أخيرًا ويتحدّى هذا المسار، معلناً الوقوف إلى جانب الاحتباس الحراري في مواجهة البشرية.
وراء تلك "الانعزاليّة"، تكمن رؤية اختزاليّة شوفينيّة لأميركا التي تدير العالم، ولا تُدار بقوانينه؛ للأميركي الذي يجب أن يحلّ في مرتبة عالميّة مميزة دائمًا، ولا يدفع ما يدفعه "الآخرون"، حتّى في دول "العالم الأول"، وهي رؤية رسّخها ترامب بمفهومه الربحي-التجاري للعلاقات الدولية: أن على الآخرين دائمًا أن "يدفعوا" مهما كانت الظروف.
لكن رغم آثاره التي قد تكون مدمّرة على العالم، لا سيما أن الحديث هنا يتعلّق بأكبر دولة صناعيّة في العالم، وعليه، أكبر مصدّر للانبعاثات السّامة على الكوكب، فإن ثمّة من يرى أن خطوة الانسحاب من الاتفاق لن تكون مؤثّرة إلى حدّ بعيد، وأن بوسع الهيئات المحليّة والشركات الخاصّة المحافظة على معايير الحدّ من الانبعاثات السامّة، وهو ما يبرّر القول إنها لا تعدو كونها خطوة استعراضيّة لرئيس مأزوم، أخفق، حتى اللحظة، في تحقيق الوعود التي تحمّست لها قاعدة مصوّتيه، قبل أن يختار أقلّ تلك الوعود تكلفة في أحد أكثر أوقاته حساسية داخل البيت الأبيض.