رغم عدم نشر خريطة رسمية توضح حدود المناطق المشمولة باتفاق خفض التصعيد جنوب سورية، والذي توصلت إليه أميركا مع روسيا، فإن معالمها على الأرض بدأت تتكشف بعد مضي ثلاثة أيام على سريان "الهدنة"، إذ إن مناطق درعا والقنيطرة المتاخمة للحدود مع إسرائيل أو الأردن، تشهد هدوءاً، باستثناء خروقات محدودة، لا تشي أن أياً من القوى على الأرض تسعى لإفشاله. لكن ريف السويداء الشرقي، البعيد عن الحدود الإسرائيلية والمتصل بمناطق البادية السورية، ظهر وكأنه خارج حدود هذا الاتفاق، مع عدم وقف النظام السوري والمليشيات المساندة له للعمليات العسكرية ضد مناطق نفوذ فصائل المعارضة، المدعومة أميركياً.
ومنذ اليوم الأول لبدء سريان الاتفاق الرباعي، الأميركي-الروسي- الأردني- الإسرائيلي، ظهر الأحد الماضي، ساد هدوء شبه تام، تخللته خروقات محدودة في مناطق الاشتباك بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام في محافظة درعا. لكن هذا المشهد لم ينسحب على مناطق ريف السويداء الشرقي، إذ شنت قوات النظام السوري هجوماً واسعاً هناك، أول من أمس، في مناطق تل الأصفر وتلول سلمان والساجية، وأحرزت تقدماً واسعاً، معلنة أنها بدأت المرحلة الثانية من "معركة الفجر الكبرى"، بهدف السيطرة على مساحات كبيرة جنوبي البادية السورية من ريفي السويداء ودمشق، نحو محاور مطار السين العسكري، ومنطقة ظاظا في ريف حمص الشرقي.
ورغم تمكن "الجيش السوري الحر"، أمس الثلاثاء، من استعادة السيطرة على منطقة أمم رمم في ريف السويداء الشمالي الشرقي المتصل بالبادية السورية، وإعلانه إسقاط طائرة حربية للنظام، كانت تؤمن الغطاء الجوي للقوات المهاجمة، فإن تعزيزات قوات النظام والمليشيات في تلك المناطق، تؤكد أنه مندفع بقوة في هذه المعارك التي تبقى سيناريوهاتها مفتوحة، مع عدم وضوح موقف واشنطن الداعمة لفصائل المعارضة في تلك المناطق. ويبدو واضحاً أن المعارك التي أطلقها النظام في ريف السويداء الشرقي، لم تلق أي اعتراض إقليمي أو أميركي، حتى الآن، ما يشير إلى أن المناطق التي تدور فيها هذه المعارك، منفصلة عن اتفاق وقف التصعيد جنوبي سورية، والذي يعتقد أنه سيبقى صامداً، رغم الحديث عن أن تفاصيله الدقيقة ما زالت قيد البحث من الدول المعنية به.
وقد لقي الاتفاق ردود أفعال مرحبة بحذر، نتيجة عدم وضوح أبعاده حتى الآن. وكان آخر المتحدثين عنه المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي اعتبر، أول من أمس، أن "الاتفاق قائم بشكل جيد عموماً، ويمكن القول إننا نثق بوجود فرصة جيدة لنجاح الاتفاق"، مشدداً على ضرورة ألا يهدد الاتفاق وحدة الأراضي السورية. وفيما تباينت آراء معارضين سوريين حيال الاتفاق، بين من رأى فيه تهديداً لوحدة البلاد، ومن وجده أمراً واقعاً فرضته الدول الكبرى ويمكن البناء عليه شريطة أن يشمل كافة الأراضي السورية، فقد برز الموقف الإيراني المتحفظ، إذ اعتبرت طهران، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، بهرام قاسمي، أنها غير ملزمة به. وقال إن بلاده "لن تكون ضامنة للاتفاق الأميركي الروسي، وستستمر في التشاور مع موسكو، بموجب التفاهمات التي تم التوصل إليها في محادثات أستانة الخاصة بالأزمة السورية"، مضيفاً "يمكننا أن نقبل بهذا الاتفاق في حال تم تعميمه على سائر الأراضي السورية، وفي حال تمّ دعم التفاهمات التي حصلت في أستانة حول مناطق خفض التوتر". واعتبر أن بلاده "تشكك في الاتفاق، نظراً إلى الإجراءات الأميركية السابقة في المنطقة"، إذ إن واشنطن اشترطت خلال المفاوضات، التي استضافتها العاصمة الأردنية عمان، بأن تبتعد كافة المليشيات الموالية لطهران، بعيداً عن الحدود الأردنية والإسرائيلية مسافة لا تقل عن 30 كيلومتراً.
وعلى جبهة أخرى، قال المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مصطفى بالي، إن هذه القوات سيطرت على بلدة جنوبي مدينة الرقة كان تنظيم "داعش" يدير قاعدة عسكرية كبيرة ومعسكراً تدريبياً فيها. وأوضح أن "قسد" سيطرت على بلدة العكيرشي التي تقع على بعد نحو 15 كيلومتراً جنوبي الرقة على نهر الفرات. وكان "داعش" أطلق على المعسكر التدريبي الذي أنشأه في العكيرشي اسم زعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، الذي قتلته قوات أميركية في العام 2011. وقتل مدنيان وأصيب آخرون بقصف مدفعي من "قوات سورية الديمقراطية" على مدينة الرقة، في حين تواصلت المعارك بين "قسد" وتنظيم "داعش" على عدة جبهات داخل المدينة، من دون تغيير على الأرض. وذكرت مصادر محلية إن "داعش" تمكن من اعتقال قيادي من "وحدات حماية الشعب" الكردية، في منطقة المسلخ خلال عملية تسلل إلى مواقع قناصة "الوحدات" في المنطقة.