وعلى الرغم من أن الصحيفة من أشد منتقدي سياسات الرئيس الأفغاني، أشرف غني، إلا أنها تدافع عن سياسات الحكومة بما يخص ملف المياه مع إيران. وكان روحاني قال، أمام مؤتمر بشأن المناخ في طهران أخيراً، إن بلاده لن تصمت إزاء تصميم الحكومة الأفغانية على بناء سدود على الأنهر التي تدخل إلى إيران، ما يؤثر على عدة أقاليم، بينها سيستان وبلوشستان. وتحدث روحاني عن سدود سلمى، وكمال خان، وكجكي، وكلها في جنوب وغرب البلاد قرب الحدود الإيرانية.
وأثارت التصريحات امتعاض الأفغان بشكل عام. وأكدت الرئاسة الأفغانية أن كابول حرة بالتصرف في مياهها، ولا داعي لأن تقلق أي دولة من دول الجوار. وعدت تصريحات روحاني بأنها تدخل في شؤون أفغانستان وانتهاك سيادتها. وقال زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار، الذي جاء إلى كابول بعد المصالحة مع الحكومة والذي عاش فترة من الزمن في إيران بعد دخول القوات الأميركية أفغانستان في 2001، إن مياه أفغانستان ملك للأفغان ولا يحق لأحد الحديث بشأنها. وناقش البرلمان الأفغاني ومجلس الشيوخ تصريحات روحاني ومشاريع غني المائية. وشدد رئيس مجلس الشيوخ، عبد الهادي مسلم يار، خلال ترؤسه جلسة عقدت خصيصاً لمناقشة القضية، على أن إيران تتدخل في شؤون أفغانستان القادرة على إدارة مياهها والاستفادة منها، مشيراً إلى أن البلاد لم تتمكن من الاستفادة من المياه خلال العقود الماضية، بسبب الوضع الأمني، لكن مشاريع الحكومة الحالية بشأن السدود عبارة عن قضية وطنية، يقف الجميع صفاً واحداً للدفاع عنها.
اتفاقية مائية بين أفغانستان وإيران
والخلافات على المياه بين إيران وأفغانستان ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى العهد السابق، وتحديداً قبل الغزو السوفييتي للبلاد، وإلى أيام الملك ظاهر شاه. واستفحلت القضية بين الدولتين، خصوصاً أيام الرئيس الأفغاني الأسبق، محمد داوود خان، في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتم عقد عدة اجتماعات بين الدولتين، أدت إلى إبرام اتفاقية عرفت في الأوساط الأفغانية باتفاقية موسى شفيق، وهو رئيس الوزراء أيام حكم داوود خان، أو اتفاقية عام 1979. ووافق شفيق آنذاك على منح إيران نسبة من المياه الأفغانية. وكانت كابول تعتزم آنذاك بناء سدود، لكن الغزو السوفييتي حال دون ذلك، ودخلت أفغانستان في أتون حرب لا تزال متواصلة. وأكد غني مراراً، منذ أن تولى زمام الحكم في البلاد، أنه يريد إحياء مشاريع داوود خان، الذي قتل بيد الموالين للروس إثر انقلاب عليه. وفي الوقت الراهن، ورغم تعاظم الملف الأمني والكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها الحكومة، إلا أن الرئيس الأفغاني له نجاحات كبيرة في بعض القضايا، منها قضية إدارة المياه وإنشاء السدود. فبعد سد سلمى، الذي صمم بدعم هندي، دشن غني سد كمال خان، والجزء الثالث من سد كجكي، ويعتزم بناء عشرات السدود على الأنهر التي تصل إلى إيران وباكستان.
وكانت إيران تستفيد من جميع الأنهار الأفغانية، وبنت عشرات السدود على مجاريها، لذا فهي لن تقبل بالاستفادة من المياه وفق اتفاقية موسى شفيق المعروفة لدى الأفغان والإيرانيين. وسعت طهران بكل الوسائل إلى محاولة ثني أفغانستان عن بناء السدود. واتهم مسؤولون في الحكومة الحالية إيران بدفع أموال طائلة للرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، الذي كانت حكومته تهمش ملف الأنهار وبناء السدود. واعتقلت الاستخبارات الأفغانية وزير الداخلية في الحكومة السابقة، عمر داودزي، ومعه أكياس مليئة بالدولارات في مطار كابول، واعترف أن إيران تساعد الرئيس الأفغاني بالمال. وثمة من يرى أن تلك المساعدة كانت بهدف تهميش ملف المياه والدفاع عن سياسات إيران، وهي إحدى نقاط الخلاف بين كرزاي والإدارة الأميركية. أما غني، الذي واجه في الأيام الأولى من حكمه ملفات صعبة، خصوصاً ملف الأمن، فقد توجه لإدارة ملف المياه، مثيراً غضب إيران. وطالبت كابول طهران مراراً بالعمل على تطبيق اتفاقية المياه بين الدولتين، وهي الوحيدة بين أفغانستان وبين أية دولة مجاورة، لكن إيران أصرت على منع أفغانستان من بناء السدود. وقال مصدر في الحكومة الأفغانية إن المرشد الإيراني، علي خامنئي طالب غني، خلال إحدى زياراته إلى طهران، بالتراجع عن قرار بناء السدود، لكن غني أجاب خامنئي أن أفغانستان ملتزمة بالاتفاقية المائية مع طهران، وعلى الأخيرة احترامها. وتظاهر عشرات الأفغان في كابول، للتنديد بتصريحات روحاني. وقال أحد منظمي التظاهرات والناشط المدني، نجيب الله كابولي، إن إيران تتدخل منذ فترة طويلة في الشؤون الأفغانية، من خلال دعم حركة "طالبان" وتشكيل مليشيات خاصة لإرباك الأمن، معتبراً أن أفغانستان ستقوم ببناء السدود، إن رضي الجيران أو رفضوا ذلك، لأن مياه أفغانستان ملك لها، وهي حرة باستخدامها كما تشاء.
هجمات مسلحة تستهدف السدود
ومن بين السدود المشهورة في أفغانستان سد سلمى، الذي دشن العام الماضي، بمساعدة هندية. وتعرض هذ السد لأكثر من 10 هجمات، أدت إلى مقتل وإصابة العديد من حراسه والعاملين فيه. ووقع آخر هجوم عليه الأسبوع الماضي، وأدى إلى مقتل 10 جنود. واتهمت الحكومة الأفغانية دول الجوار و"طالبان" بالوقوف وراء تلك الهجمات. كما اتهمت الاستخبارات الأفغانية، عدة مرات، إيران بتشكيل مليشيات خاصة لمنع كابول من بناء سدود، لكن يبدو أن الحكومة الأفغانية مصممة على المضي قدماً في بناء السدود، ما قد يزيد من التوتر بين البلدين.