تعيش السويد على وقع جدل سياسي يطالب بسحب الثقة من حكومة اليسار ويسار الوسط بزعامة، ستيفان لوفين، على خلفية ما تطلق عليه الصحافة المحلية "أكبر تسريب مضر بالأمن القومي". فقد كشفت صحيفة "داغين نيوهتر" أن "تسريب معلومات سرية وحساسة جداً حدث من قبل إدارة وكالة النقل السويدية".
ووفقاً لما رشح من معلومات فإن هذا التسريب الأكبر في تاريخ السويد "يتعلق بإمكانية التعقب والوصول إلى عناوين سرية لبعض من يعيشون في ظل حماية الهوية من الأمن السويدي وهوية رجال الأمن وضباط الشرطة والقوات العسكرية ". ويتبين من غضب الأحزاب السياسية والصحافة السويدية، خلال اليومين الماضيين، واحتلال هذه القضية معظم النقاشات المحلية، أن التسريبات "أفسدت عمل سنوات من العمل لبناء هويات تخفى وسرية بما يضر الأمن في البلاد".
ويظهر من حجم التسريبات ونوعيتها أن "المعلومات الحساسة"، بما فيها معلومات استخباراتية لجهاز الاستخبارات السويدي "سابو"، كانت متاحة على مدى أشهر لتقنيي المعلومات من أوروبا الشرقية. وتشمل المعلومات السرية حركة السفن والطائرات ومعظم البنية التحتية السويدية بما فيها حفر الأنفاق والتسلح والمشاريع المدنية والعسكرية.
وبحسب ما ذهبت إليه صحيفة "إكسبرسن" السويدية فإن دائرة النقل منحت تقنيين من شرق أوروبا، الإذن بالدخول إلى أنظمة سرية تتعلق بمواطنين سويديين بدون موافقة أمنية. وتضيف الصحيفة، أن القائمة "طويلة وتحتوي سجلات الطيارين الحربيين وقوائم للمركبات العسكرية وبيانات العملاء السريين السويديين ودوائر الشرطة والأمن بما فيها جهاز الاستخبارات، سابو، وضباط في الجيش". ويبدو أن اطلاع التقنيين على تلك المعلومات جاء في أعقاب الحصول على مفاتيح الدخول إلى أكثر المواقع الإلكترونية حساسية "مفاتيح المملكة". وكانت استوكهولم علقت على ما جاء: "لا ندري بعد ما إذا كان جرى سوء استخدام للمعلومات المسربة".
وما يقلق الأوساط الأمنية والعسكرية في السويد، وفقاً لتصريحات نقلتها يومي الإثنين والثلاثاء معظم وسائل الإعلام، أن "المعلومات التي أتيحت لتقنيي آي بي إم IBM، وهم من جمهورية التشيك ورومانيا وكرواتيا، لم تبدأ حديثاً، بل تعود إلى العام 2015، ووقع الضرر". ويبدو أن القلق الأمني يتسع ليصل إلى حصول تقنيين في صربيا على إمكانية اختراق ومراقبة حتى ما يتعلق بأمن سري جداً للشبكة الحكومية السويدية، التي تؤمن معلومات المملكة السويدية بكل مستوياتها.
ووصل التسريب المشار إليه إلى مستوى دخول هؤلاء التقنيين إلى "سجل دليل رخص القيادة السويدية بكل ما فيها من صور ومعلومات لحاملي رخص القيادة". وبالرغم من تأكيد الحكومة السويدية أنها عالجت المسألة وسحبت ترخيص دخول هؤلاء التقنيين إلى شبكتها السرية، إلا أن غضباً سياسياً ومجتمعياً واسعاً بدأ يدعو إلى إقالة الحكومة وسحب الثقة عنها. وما يغضب السويديين أكثر أن رئيسة دائرة المواصلات، ماريا أوغرينس، تجاهلت تماماً مطالب التصاريح الأمنية، وجرى في بداية الشهر الحالي يوليو/تموز إقالة أوغرينس وسحب صفتها كمديرة، وتغريمها 70 ألف كرونة (حوالى 10 آلاف دولار أميركي) لخرقها حماية المعلومات السرية، بدون أن يعلم الشعب والبرلمان بأسباب الإقالة.
وتذهب الأحزاب السياسية، من يسار ويمين ويمين الوسط في غضبها المعلن إلى اتهام وزراء في حكومة ستيفان لوفين "بمعرفة ما كان يدور منذ أشهر، دون أن يطلعوا الشعب السويدي على ما يجري بشأنهم". وخصوصاً أن وزيري الداخلية، أندرس ايغمان، والدفاع، بيتر هولتكفيست، عرفا بالتسريبات القائمة منذ بداية عام 2016. وتسنتند الخشية الأمنية والسياسية إلى سنوات طويلة من التوتر في العلاقة بين السويد وروسيا في البلطيق، وما يمكن أن تكون أدت إليه تلك التسريبات في إفادة للجانب الروسي، دون أن يتضح بعد للرأي العام مدى تلك الاستفادة.
ولم يخفف اعتراف ستيفان لوفين في مؤتمر صحافي عقده، أمس الإثنين، أنه كان يعرف بهذا التسريب منذ يناير/كانون الثاني الماضي، من وطأة هذه الفضيحة الكبرى، وأن "المهمة الرئيسية الآن هي حماية المعلومات". فقد طالبت الأحزاب السياسية المعارضة، التحالف وحزب "ديمقراطيي السويد" و"اليسار" بإقالة وزراء في الحكومة أو استقالتها جماعياً.
وتوسعت مطالب الاستقالة، صباح اليوم الثلاثاء، لتشمل حزب الوسط، ما يعني أن وضع رئيس الوزراء ستيفان لوفين، ليس مريحاً إثر مؤتمره الصحافي أمس. ولم تسعفه مسألة "التراجع عن برامج الخصخصة التي تسببت في دخول تقنيين إلى معلومات دائرة النقل"، التي تعتبر أحد أهم أسباب منح تقنيين أجانب إذن الدخول إلى تلك المعلومات الحساسة.
ولا تستبعد أحزاب اليسار، مثل حزب "اليسار" الاشتراكي على لسان زعيمه يوناس شويستيد، أن تطرح حجب الثقة عن حكومة لوفين. ويتهم شويستيد لوفين "بإظهار ضعف في قيادة السويد والتعامل مع هذه القضية".
وتتفق تلك الانتقادات مع انتقادات زعيم الليبراليين المعارض، يان بيوركلوند، الذي يرى أن حزبه "لا يستبعد طرح حجب الثقة، فأنت أمام حكومة ضعيفة وفاشلة، وأغرب ما في الأمر إبقاء الأمر سرياً من وزراء على اطلاع بالفضيحة دون أن يطلعوا رئيس الوزراء، ستيفان لوفين، على تلك القضية فوراً، من بينهم وزيرا الداخلية والدفاع". ويشير بيوركلوند إلى أن "المؤتمر الصحافي لم يغير شيئاً في مسؤولية الحكومة، بل على العكس يكشف ضعفه".