يحتفل التونسيون اليوم، 25 يوليو/ تموز بعيد الجمهورية، بعدما صار بعد الثورة وكتابة الدستور الجديد، احتفالاً بالجمهورية الثانية التي ولدت لتغيّر مسار المنطقة وتؤسس لدولة عربية ديمقراطية تحاول أن تحصّن نفسها من كل انحرافات أو نكسات ممكنة في المستقبل، خصوصا أنها لا تزال هشة وتحيط بها التهديدات من كل مكان، وترصدها كل الأنظمة المرتعدة من أي تغيير في المنطقة العربية يمكن أن يطاولها.
ولكن تونس، التي كررت مراراً أن ثورتها ليست للتصدير، منكبة بكل قواها الرسمية والمدنية والشعبية على استكمال بناء مؤسساتها وطيّ صفحة الانفراد بالحكم نهائيا والتدرب على التداول السلمي للسلطة، وقد نجحت في ذلك بنسبة كبيرة إلى حد الآن، من خلال انتخابات 2011 و2014، وقبل الخاسرون والرابحون قواعد اللعبة برغم احترازاتهم الكثيرة.
وللتذكير، فإن الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي غادر السلطة بعد انتصار الترويكا في 2011، وهو الذي أعد لتلك الانتخابات، ثم عاد إلى قصر الرئاسة في قرطاج بعد العام 2014، وقبل الرئيس السابق منصف المرزوقي أيضاً بالنتيجة وغادر الحكم إلى المعارضة، وهو ما يعكس أن الفرقاء السياسيين التونسيين، وشعبهم، قد حددوا سقفا لخلافاتهم يقف دون المساس بما قامت من أجله الثورة، الديمقراطية.
ويسارع التونسيون الخطى لاستكمال وضع ما تبقى من مؤسسات دستورية تحمي هذا المسار نهائيا، ولم يتبق من عناوينها الكبرى إلا المحكمة الدستورية، التي لن يطول انتخاب أعضائها، بالإضافة إلى جملة من القوانين الأساسية، التي تكرس الممارسة الديمقراطية وتدعم حقوق المواطنين، كما هو الحال في أعرق الديمقراطيات، وتهم البيئة والأطفال والنساء والعنف والنفاذ إلى المعلومة، وتكريس حرية التعبير، ثمرة الثورة الأغلى التي يدافع عنها التونسيون بكل قواهم.
ولئن حققت النخبة السياسية كل هذه المؤسسات والإنجازات، فإنها لم تتخلص نهائيا من هشاشة نظامها السياسي والحزبي، ولم تتجاوز بعد خلافاتها العميقة حول عدد كبير من القضايا.
ويبقى الخوف جاثما من أن تحمل رياح التغيير الكبيرة في المنطقة أثرها على التجربة الديمقراطية الوليدة، وأن يتكثف تأثير المال الفاسد على المسارات الانتخابية والمواقف السياسية، بالإضافة إلى التهديدين الكبيرين، هشاشة الوضع الاقتصادي الصعب للغاية، والإرهاب الذي يبقى أكبر مصدر قلق للتونسيين، برغم انتصاراتهم المتتالية في هذا المجال وعودة الاستقرار الأمني إلى البلاد.
ولن ينسى التونسيون أن ذكرى الجمهورية تتزامن مع حادث أليم تمثل في اغتيال محمد البراهمي أمام بيته، وكادت أن تقود إلى انتكاسة في المسار الديمقراطي.
ويقام اليوم الثلاثاء، بمقر مجلس نواب الشعب بقصر باردو، وهو مقر حكم آخر البايات في تونس، حفل يشارك فيه السبسي، بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس البرلمان محمد الناصر، والوزراء والسفراء وأعضاء المجلس التأسيسي ورؤساء الحكومة المتعاقبون ورؤساء الجمهورية السابقون منذ ثورة 2011 بالإضافة إلى رؤساء الأحزاب والمنظمات والإعلاميين والمجتمع المدني.
وقال الناصر في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "هذه الذكرى مناسبة لنستلهم منها قيم الجمهورية وثقافة الدولة وروح البناء والوعي الوطني، الذي أسس له المناضلون والوطنيون منذ ستين عاما وتتواصل رحلة البناء والعمل والبذل إلى اليوم في إطار استمرارية الدولة وتوق الشعب إلى الأفضل ونحو مستقبل أكثر ديمقراطية واستقرارا وازدهارا في دولة تقوم على القانون والمؤسسات".