أحالت الحكومة المصرية، من دون إعلان رسمي، مشروعاً لتعديل قانون الجامعات إلى مجلس الدولة لمراجعته، تمهيداً لعرضه على مجلس النواب في الدورة البرلمانية المقبلة، يسمح للمرة الأولى للجامعات الحكومية بممارسة أنشطة هادفة للربح أو المساهمة في ذلك مع مستثمرين آخرين، وذلك بهدف تمويل أنشطة البحث العلمي بالجامعات والمعاهد الحكومية التابعة لها. ويُعدّ هذا الأمر تغييراً مبدئياً في سياسة التعامل الحكومي مع التعليم العالي، في سبيل تخفيف أعباء الإنفاق على هذا البند من الموازنة العامة للدولة.
وتكامل هذا الاتجاه الحكومي، الذي تحول إلى مشروع رسمي، مع الخطة التي سبق ونشرت "العربي الجديد" تفاصيلها في 6 مايو/ أيار الماضي عن تحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة بنسبة لا تقلّ عن 75 في المائة تدريجياً، والتدرّج في تحويل بعض الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية. بالتالي تقاسم القطاع الخاص الدولة في إدارتها، وتحمّل المستثمرون جزءاً من الأعباء التي تتحملها الدولة حالياً، على أنّ تكون الأولوية للمستثمرين المتخصصين في مجال التعليم والثقافة، وبمعنى أدقّ إدارات الجامعات والمدارس والأكاديميات والمعاهد الخاصة الهادفة أصلاً إلى الربح.
في هذا السياق، أفاد مصدر في مجلس الوزراء، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الهدف المنصوص عليه في التعديل التشريعي المقترح هو دعم أنشطة البحث العلمي، لكن الحكومة ترنو في حقيقة الأمر إلى أن تتحمل كل جامعة نسبة محددة من نفقاتها، مع تخفيض المخصصات الأساسية لها من الخزانة العامة. وسيجبر هذا الأمر الجامعات على عدم الاكتفاء بممارسة الأنشطة العلمية الهادفة للربح كإنشاء معاهد تقدم خدمات مدفوعة، بل سيمتد الأمر إلى المشاركة مع المستثمرين في تقديم خدمات مدفوعة لطلاب الجامعات ذاتها".
وكشف المصدر نفسه عن "وجود خلافات بين قضاة قسم التشريع في مجلس الدولة وممثلي وزارة التعليم العالي حول مشروعية هذا المقترح. ويرى بعض قضاة القسم أنه غير دستوري لتعارضه صراحة مع المادة 21 من الدستور الحالي التي تنص على أن تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح، وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية".
وبحسب المصدر، فإن "الحكومة ترغب في عدم ظهور هذه الخلافات في الإعلام لحين وصول المشروع إلى مجلس النواب، تحسباً لقيام حملة معارضة واسعة بين الأكاديميين والطلاب للخطط الجديدة، التي ترى دائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أنها السبيل الوحيد لاستمرار إنفاق الدولة على التعليم العالي، في ظل ضعف الدخل القومي بشكل عام، وتراجع عائداته مع زيادة أعباء الخزانة العامة في ظل ضغوط صندوق النقد الدولي".
في هذا السياق، كشف مصدر في وزارة التعليم العالي، أن "مجلس الدولة وجه ضربة غير مباشرة لهذا المخطط الشهر الماضي، حين أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فتوى، لم تعلنها الجمعية، بعدم جواز ممارسة الجامعات بصفة عامة والجامعات الخاصة بصفة خاصة لأي أنشطة هادفة للربح، وذلك حسماً لمسألة كانت قد أثارت خلافاً داخل الحكومة وعرضها وزير التعليم العالي السابق على مجلس الدولة". وأضاف المصدر أن "هذه المسألة كانت تتعلق بمدى جواز مساهمة شركة قناة السويس لتوطين التكنولوجيا (التي يرأسها حالياً وزير التعليم السابق أحمد زكي بدر وتملك أسهمها مجموعة من البنوك وشركات التأمين) في رأس مال جامعة 6 أكتوبر الخاصة، إحدى أبرز الجامعات الخاصة بمصر، ومدى جواز مشاركة الشركة مع الجامعة في تأسيس شركات تجارية مساهمة للمرة الأولى".
ووفقاً للمصدر، فإن "وزير التعليم العالي كان يرغب في أن تصدر الفتوى بإجازة هذه الشراكة بين الجامعات الخاصة والشركات المساهمة لتحقيق أهداف عدة؛ أبرزها السماح للمستثمرين بمضاعفة رأس مال الجامعات والمعاهد الخاصة، وجذب قطاعات أكبر من المستثمرين للعمل في مجال التعليم العالي لسد احتياجات السوق، والتمهيد لإجراء الشراكة ذاتها بين الجامعات الحكومية والشركات المساهمة، والترويج لفكرة الاستثمار في مجال التعليم العالي كنشاط هادف ومحقق للربح حتى يستعد السوق لتطبيق فكرة تحويل الجامعات الحكومية إلى أهلية والسماح بتأسيسها لشركات مساهمة. إلا أن الفتوى التي صدرت مطلع يونيو/ حزيران الماضي، وأشرف عليها المستشار يحيى دكروري، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة (والذي استبعده رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أخيراً من رئاسة مجلس الدولة رغم ترشيحه من قبل الجمعية العمومية للمجلس بالأقدمية المطلقة)، ذهبت في اتجاه مغاير تماماً لرغبات الحكومة، لتأكيدها عدم دستورية ممارسة أي جامعة سواء كانت خاصة أو حكومية للأنشطة الهادفة للربح".
وأشارت الفتوى إلى أن "الدساتير المتعاقبة منذ 1971 ومواكبة منها لزيادة نسبة التعليم وتلبية احتياجات المجتمع من التخصصات العلمية الحديثة، ألزمت الدولة بالإشراف على التعليم كله وكفالة استقلال الجامعات والبحث العلمي، باعتباره من المقومات الأساسية للمجتمع، وحرصت على تكريس دور الدولة في هذا المجال، فألقت على عاتقها كفالة استقلال المؤسسات التعليمية وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة التعليمية، وتطويره بالتعاون مع القطاعين الخاص والأهلي ومساهمة المصريين بالخارج".
وذكرت بأنه "في ضوء هذه الالتزامات أجاز القانون إنشاء جامعات خاصة تقدم خدمة مدفوعة لأبناء المصريين جنباً إلى جنب مع الجامعات الحكومية، بشرطين: أن تكون أغلبية الأموال المشاركة في رأس مالها مملوكة للمصريين، وألّا يكون غرضها الأساسي تحقيق الربح شأنها شأن الجامعات الحكومية، نزولاً عند مقتضيات كونها مؤسسات علمية تعليمية تهدف بصفة أساسية لنشر التعليم والارتقاء به وبالبحث العلني وتوفير التخصصات العلمية الحديثة".
وشرحت الفتوى الفارق بين تحقيق الجامعات عموماً للربح جراء الفارق بين مواردها ومصروفاتها، وبين أن يكون غرضها تحقيق الربح، بأنه "يجب عليها ألا تقدم قصد المضاربة على غرض التعليم والبحث العلمي"، مشددة على أنه "لا يجوز لأية جامعة حكومية أو خاصة إنشاء شركات مساهمة أو المشاركة فيها مع مستثمرين، لأن هذه الشركات يكون غرضها الأساسي أو الوحيد تحقيق الربح".