بعد مضيّ أقل من شهرين على انتخابه، يُلقي الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد ظهر اليوم الإثنين، خطابا أمام البرلمان، بحضور نواب مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية، في قصر فرساي.
وسيتمحور خطاب ماكرون، الذي سيتوجه به إلى الفرنسيين من خلال النواب، حول الخطوط العامة للبرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لولايته الرئاسية.
ومن المنتظر أن يركز، بشكل خاص، على موضوع تطوير المؤسسات وتكيّفها مع التحولات الجديدة، بالإضافة إلى قضية العمل.
وأجمع المعلقون، وحتى المقربون من ماكرون، ومن بينهم المتحدث باسم الحكومة، كريستوف كاستانير، على تشبيه هذه الخطوة بالعُرف الأميركي المتمثل في "الخطاب حول حالة الاتحاد" الذي يلقيه الرئيس الأميركي كل عام أمام الكونغرس.
وتُعتبر خطابات الرؤساء الفرنسيين أمام البرلمان في فرساي تقليدا نادرا يخضع لاعتبارات استثنائية. وكان الرئيس السابق، فرانسوا هولاند، التجأ إليه لإلقاء خطاب حول الوحدة الوطنية، بعد اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الإرهابية، من أجل طلب تعديل دستوري يتعلق بحالة الطوارئ. وأيضا فعل الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، الذي ألقى خطابا فيه أمام النواب عام 2009، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كانت تمر بها فرنسا آنذاك.
غير أن ماكرون بدا عازماً على كسر هذا الاستثناء، وجعل هذا الخطاب تقليدا سنويا على الطريقة الأميركية، خاصة أنه ألغى الخطاب التقليدي الذي كان من المنتظر أن يلقيه بمناسبة عيد الاستقلال، في 14 يوليو/تموز الجاري، كعادة جميع الرؤساء السابقين.
وأثار توقيت خطاب فرساي جدلا ساخنا في الساحة السياسية الفرنسية، لكونه يأتي عشية خطاب إعلان السياسة العامة الذي سيلقيه رئيس الوزراء، إداور فيليب، أمام نواب البرلمان، غدا الثلاثاء، وهو ما فسره العديد من شخصيات المعارضة بكونه إضعافا لسلطة رئيس الحكومة وتقليلا من شأنها.
وانبرت بعض الأصوات محذرة من ما وصفته بالتوجه "الملكي" لماكرون الذي يبدي نوعا من النزوع إلى تثبيت نوع من "الملكية الرئاسية".
وحذّر رئيس الفريق النيابي لحزب "الجمهوريون" اليميني المحافظ، كريستيان جاكوب، من اتجاه ماكرون صوب "سلطة شمولية بدون تقاسم"، واعتبر أن خطاب فرساي "سيمحي بثقله" إعلان السياسة العامة الذي سيلقيه رئيس الحكومة الثلاثاء. في حين وصف النائب اليميني إيريك سيوتي هذا الخطاب الرئاسي بأنه "إذلال كبير" لرئيس الحكومة.
أما النائب القيادي في حزب "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين اليميني" فقد اعتبر أن الرئيس ماكرون "يقضي وقته في ممارسة مهمة الرئيس ورئيس الحكومة في الوقت ذاته".
كما أعلن عدة نواب عزمهم على مقاطعة خطاب فرساي، ومن بينهم النواب الشيوعيون، وأيضا مجموع أعضاء الفريق النيابي لحزب "فرنسا غير الخاضعة" الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون. هذا الأخير هو الأشد انتقادا لماكرون، إذ اعتبر أن خطاب فرساي "خطوة إضافية لتعزيز البعد الفرعوني للملكية الرئاسية"، وهو يجعل من رئيس الحكومة مجرد "موظف متعاون".
في المقابل، يدافع معسكر ماكرون عن خطاب فرساي ويعتبرونه منسجما مع الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس ويمنحها له دستور البلاد. ويعتبر مقربون من الإليزيه أن هذا الخطاب هو مناسبة مهمة للرئيس، لمخاطبة الفرنسيين وتوضيح البرنامج السياسي الذي انتخب من أجله، خاصة أن ماكرون لم يتوجه مباشرة إلى الفرنسيين منذ انتخابه، وانشغل منذ ذلك الحين بأجندة غلبت عليها الشؤون الدبلوماسية والخارجية.
وبخلاف الرؤساء السابقين، يبدو ماكرون حريصا على انتهاج سياسة تواصلية مغايرة تمنح للرئيس نوعا من الهيبة، مع التقليل من الحضور الطاغي في وسائل الإعلام، والتخلي عن خيار الحوارات الصحافية المباشرة. وهذا ما يفسر، حسب بعض المعلقين، تفضيله إلقاء الخطب من المنابر لتفادي الأسئلة المحرجة، وأيضا إلغاءه الخطاب التلفزيوني المعتاد بمناسبة احتفالات العيد الوطني.