يكاد "حزب الله" اللبناني ينجز اتفاق التبادل مع "جبهة النصرة" (جبهة فتح الشام)، برعاية المدير العام لجهاز الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، لنقل 9 آلاف سوري من بلدة عرسال وجردها إلى محافظة إدلب في الشمال السوري. وحسمت مئات العائلات السورية المُقيمة في بلدة عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية أمرها، وقررت المغادرة باتجاه محافظة إدلب مع جموع المغادرين من عناصر "فتح الشام" وعائلاتهم و"أميرهم"، أبو مالك التلي. وادّعى الطرفان، "حزب الله" و"جبهة النصرة"، تحقيق نصر مؤزر بعد معركة استمرت 6 أيام، حقق فيها الحزب تقدماً ميدانياً ملحوظاً، قبل انطلاق المفاوضات التي تقضي بمغادرة عناصر التلي الأراضي اللبنانية التي سيطروا عليها سنوات، مقابل عودة 8 أسرى للحزب و5 جثامين.
وسقطت معاناة اللاجئين المدنيين من حسابات كل الأطراف، العسكرية والسياسية، المسؤولة عن وجود اللاجئين في بلدة عرسال. وغاب الموقف الرسمي اللبناني عن مجريات عملية التبادل، ما عدا تصريح يتيم لوزير الدولة لشؤون النازحين، معين المرعبي، الذي وصف العملية بـ"التهجير القسري الذي يفرضه حزب الله على السوريين في عرسال". وقابل الانكفاء اللبناني الرسمي، موقف إيراني مباشر، عبّر عنه المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي يزور لبنان، والتقى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في عين التينة، برفقة السفير محمد فتحعلي. وقال عبد اللهيان، بعد الزيارة، إن "الانتصارات الكبرى التي حققها لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته، ضد الإرهاب والإرهابيين في عرسال تأتي استكمالاً للانتصارات السابقة التي أنجزت ضد القوى الإرهابية في حلب والموصل، وها هي تتحقق اليوم على الحدود اللبنانية - السورية". وبعد ربط الجبهات التي تنتشر فيها المجموعات المسلحة المدعومة إيرانياً في سورية ولبنان والعراق، أعلن المسؤول الإيراني عن دعم بلاده معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي تمنح "حزب الله" شرعية وغطاء لاستخدام سلاحه حيث يريد داخل لبنان وخارجه، تحت عنواني "المقاومة" و"الأمن الاستباقي".
وكما في السياسة كذلك على الأرض، لعب "حزب الله" الدور الأبرز لإنجاز التبادل، بالتعاون مع "الصليب الأحمر اللبناني" و"الصليب الأحمر الدولي" و"الهلال الأحمر السوري"، في حين تحولت مواقع الجيش اللبناني في عرسال وجوارها إلى نقاط تجمع للاجئين والحافلات التي ستقلهم. وبعد لجوء "فتح الشام" إلى المبدأ الأمني القائل بتبديل المكان المُتفق عليه في اللحظات الأخيرة، طلب التنظيم نقل نقطة التبادل من حدود محافظة حماة مع إدلب إلى حدود إدلب مع محافظة حلب، وهو أمر قد يؤخر انطلاق الأهالي نحو إدلب، ويفرض مصاعب كبيرة على آلاف الأسر التي حزمت أمتعتها وباتت مستعدة للرحيل. وتؤكد مصادر متقاطعة أن عدد المُغادرين سيتجاوز 10 آلاف شخص، من لاجئي بلدات ومدن القلمون السوري. وتبقى المقارنة قائمة بين مصير مناطق القلمون ومصير مدينة القصير في الريف الحمصي، التي تحولت إلى منطقة عسكرية مُغلقة منذ سيطرة "حزب الله" عليها عام 2014. وسبق للحزب أن عرض عبر تنظيم "سرايا أهل الشام"، عودة أهالي القلمون فقط (من دون أهالي حمص وريفها) إلى مناطقهم تحت إشراف "السرايا" التي ستتحول بموجب العرض إلى ما يشبه "شرطة عسكرية" لحفظ الأمن والحدود. وبالفعل تم إنجاز مرحلة أولى من الاتفاق عبر انتقال عشرات العائلات السورية إلى بلدة عسال الورد في القلمون، قبل إعلان الحزب عن معركة "تحرير جرود عرسال من التكفيريين".
تواصل الحملة الطائفية ضد عرسال
وفي حين شاركت العديد من وسائل الإعلام المحلية وشخصيات عامة (كمدرب أحد فرق كرة السلة) في الترويج لمواقف "حزب الله"، وأمينه العام حسن نصر الله، الذي تحدث عن "احترام أهالي عرسال" و"تحريم قطف أو تناول الكرز والمشمش من البساتين التي تعود لأهالي عرسال في جرد البلدة من دون إذنهم"، انتشر تسجيل، غير مُحدد التاريخ، لأحد عناصر "حزب الله" وهو يوجه شتائم طائفية لأهالي البلدة أثناء قطاف المحصول من شجرة في أحد البساتين الواقعة في جرد البلدة المشهورة بكرزها. كما ساهم استمرار منع جهاز استخبارات الجيش اللبناني لوسائل الإعلام من دخول البلدة، وتصوير الأوضاع فيها، وهو منع مستمر منذ 3 أعوام، في إضفاء المزيد من الغموض حول البلدة، التي أكد مسؤولون فيها، ومنهم رئيس البلدية، باسل الحجيري، على الوقوف خلف الشرعية اللبنانية، مع الاستعداد لتقديم كافة التسهيلات لإنجاز عملية التبادل وانتقال اللاجئين بسلاسة من داخل البلدة إلى إدلب. وكان "حزب الله" و"النصرة" قد أنجزا، نهاية الأسبوع الماضي، مرحلة تبادل جثامين مُقاتلين تم حجزها خلال المعارك بين الطرفين في الجرود اللبنانية والسورية، ويعود تاريخ وفاة بعضها إلى العام 2015. ورغم استغراق عملية التعرف على الجثامين وقتاً طويلاً، فقد تم التبادل. وكان إطلاق سراح سيدة سورية مُحتجزة في سجن رومية المركزي شمالي العاصمة بيروت أحد مطالب "فتح الشام".