أطلقت إسرائيل حملة دعائية، منذ مطلع الأسبوع الحالي، ضد ما تعتبره "تعاظم مظاهر الوجود الإيراني والشيعي" في سورية. وتبدو أهداف هذه الحملة أبعد من مجرد العمل على ردع طهران، بل تعكس أيضاً إحباطاً من مآلات الاستراتيجية التي تتعبها الولايات المتحدة في التعاطي مع الأوضاع في كل من العراق وسورية. وتعبّر ضمناً عن احتجاج إسرائيلي على تجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خارطة المصالح الإسرائيلية تحديداً في سورية. وإطلاق الحملة في هذا التوقيت يندرج في إطار محاولة الضغط على واشنطن لتغيير نمط سلوكها بشكل عاجل والتدخل لطرد الإيرانيين من هناك.
ومن أجل إقناع ترامب بتغيير نمط سلوك إدارته في سورية، هددت إسرائيل بمنع إيران من استكمال مخططها باستخدام القوة العسكرية. وعبّر عن ذلك تشديد نتنياهو على أن حكومته "ستقوم بفعل كل شيء من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل". وهذا التلويح بالخيار العسكري يحمل رسالة لواشنطن مفادها بأن إسرائيل لن تتردد في خلط الأوراق ونسف الترتيبات التي أنجزتها الولايات المتحدة في سورية والعراق في إطار الحرب على "داعش".
ومن أجل إضفاء صدقية على التهديدات باستخدام الخيار العسكري، أقدم نتنياهو على خطوة توحي بأنه جاد في عدم التردد باستهداف الوجود الإيراني في سورية، حتى ولو كلّف ذلك اندلاع حرب شاملة في سورية ولبنان. وقد تمثلت هذه الخطوة في إعلان ديوان نتنياهو، أخيراً، أنه ينوي تمرير تشريع في البرلمان يعفيه من الحصول على موافقة الحكومة بكامل هيئتها عند اتخاذ قرار بشن حرب، وأن يكتفي فقط بموافقة المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن. ونظر الكثير من المراقبين في إسرائيل إلى أن هذا الإعلان يهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة والغرب للتدخل لمنع إيران وحلفائها من الاستقرار في سورية. ورأى المعلق الصحافي، بن كاسبيت، أن نتنياهو، الذي تمكّن عبر التلويح بشن حرب على إيران، من إجبار إدارة الرئيس باراك أوباما على توسيع وتعميق العقوبات الاقتصادية على إيران لوقف برنامجها النووي، يريد من خلال التلويح باستهداف الوجود الإيراني في سورية، تكثيف الضغط على ترامب للتحرك من أجل إجبار الإيرانيين على المغادرة.
ومن الواضح أن إسرائيل تراهن على عوائد الضغط على ترامب من أجل إقناعه بالعمل على إخراج الإيرانيين وحلفائهم من سورية لتجنب خيار الحرب، بسبب المخاطر التي ينطوي عليها نشوب مثل هذه الحرب. وبخلاف الغارات الجوية الانتقائية التي تشنها إسرائيل من وقت لآخر، فإن التحرك ضد الوجود العسكري الإيراني والمليشيات التابعة لإيران في سورية، يتطلب جهداً حربياً مكثفاً وواسعاً، يمكن أن يفضي إلى رد "حزب الله" انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. وتشير التقديرات الاستخباراتية في تل أبيب إلى أن ترسانة الصواريخ التي يملكها "حزب الله" تمثل التهديد الاستراتيجي الأبرز على العمق الإسرائيلي، بسبب مدى هذه الصواريخ الذي يسمح بضرب كل نقطة في الأراضي المحتلة، وبسبب دقتها التي تمكن من استهداف مرافق حساسة جداً، وقوتها التدميرية الكبيرة التي تكفل إحداث أضرار بشرية ومادية كبيرة.
في الوقت ذاته، فإن اشتعال مواجهة كبيرة في الشمال في ظل الوجود الروسي في سورية يحمل مخاطر كبيرة بالنسبة لإسرائيل. وإنْ كانت روسيا تغض الطرف عن الغارات التي تشنها إسرائيل في سورية، إلا أن تكثيف الجهد الحربي الإسرائيلي على نطاق واسع في سورية يحمل في طياته احتمال حدوث احتكاك مع الروس، وهو ما تتجنبه تل أبيب. من هنا، يحاول الإسرائيليون تجنب خيار الحرب من خلال الضغط على ترامب ومحاولة ابتزازه عبر التلويح بإحداث فوضى وخلط الأوراق.