رفضت وزارتا الداخلية والخارجية المصرية التعليق رسميًا على التقرير الذي نشرته صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، وقالت فيه إن الولايات المتحدة لديها أدلة على "تورط" أجهزة الأمن المصرية في مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني منذ نحو عامين.
وقال مصدر دبلوماسي، بوزارة الخارجية المصرية لـ"العربي الجديد"، إن السلطات الإيطالية أصبحت أكثر مرونة الآن في تعاملها مع ملف ريجيني ولا سيما بعد التعاون "الصادق والشفاف" من جانب السلطات المصرية، على حد وصف المصدر الذي أضاف أيضًا إن إعادة روما لسفيرها في القاهرة "خير دليل على تحسن العلاقات المصرية الإيطالية" بعد الواقعة.
من جانبه، قال مصدر أمني في وزارة الداخلية المصرية رفض الكشف عن اسمه أيضًا إن "المزاعم التي أوردتها صحيفة لا ستامبا الإيطالية ليست بالجديدة، فسبق أن اتهمت الصحافة الإيطالية سلطات الأمن المصرية بهذه الاتهامات، من دون تقديم الدليل".
وقالت صحيفة "لاستامبا" إنها تحدثت مع مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وقال إن "أوامر عليا" صدرت في مصر لجعل ريجيني "عبرة لمن لا يعتبر" من الأجانب في مصر.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد نشرت تحقيقًا في 15 أغسطس/آب، أكدت فيه أن الحكومة الأميركية لديها "أدلة دامغة" على مسؤولية جهات رسمية مصرية عن مقتل الطالب الإيطالي. واستند التحقيق إلى روايات من ثلاثة مسؤولين أميركيين حاليين.
ووفقاً لمصدر "لاستامبا"، الذي تم تحديده على أنه مسؤول في إدارة أوباما، فإنه نظرًا للعلاقات بين البلدين، سيكون من المستغرب أن الولايات المتحدة لم تبلغ الحكومة الإيطالية بما عرفته.
وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه في حين تم تقاسم هذه المعلومات مع إيطاليا، "تجنبت الولايات المتحدة تحديد المصدر كما لم يفصحوا عن الجهاز الأمني الذي يعتقدون أنه كان وراء وفاة ريجيني".
وقد أكد ذلك مكتب رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، الذي قال في تصريحات صحافية إن الحكومة الأميركية لم تزودهم بأي معلومات استخباراتية حول تورط الأمن المصري في وفاة ريجيني.
وقتل ريجيني، الذي كان باحثًا في مجال النقابات العمالية المستقلة في مصر، في عام 2016. واختفى في طريقه من شقته في الدقي إلى وسط مدينة القاهرة في 25 يناير/كانون الثاني، وعثر على جثته في ضواحي القاهرة في 3 فبراير/شباط، تحمل علامات التعذيب.
وأدى قتل الباحث إلى تصاعد التوترات بين البلدين، حيث قالت إيطاليا إن الحكومة المصرية لم تتعاون خلال مراحل التحقيق الأولى. غير أن العلاقات شهدت تحسنًا مؤخرًا إذ أعلنت إيطاليا يوم الاثنين الماضي أن سفيرها سيعود إلى القاهرة بعد أكثر من عام من استدعائه.
وعبرت العديد من وسائل الإعلام الإيطالية عن إحباطها من هذه الخطوة، التي وصفتها صحيفة "لاريبوبليكا" يسارية التوجه بأنها "تبدو كتنازل عن أقوى وسيلة ضغط على نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكشف حقيقة ما حدث للطالب الإيطالي جوليو ريجيني".
وتم الإعلان عن القرار بعد دقائق من صدور بيان -خال تماماً من المعلومات- عن النيابة العامة المصرية، تحدث عن اتصال هاتفي جرى بين النائب العام المصري نبيل صادق والمدعي العام في روما، والاتفاق بينهما على لقاء قريب لتبادل المعلومات والتحقيقات في قضية ريجيني، وفي التوقيت ذاته أصدر الجانب الإيطالي بياناً ذكر فيه أن القاهرة سلمته وثائق جديدة للتحقيقات التي أجريت مع ضباط الشرطة الذين ارتكبوا جريمة تصفية خمسة أشخاص من ذوي السوابق الجنائية واتهموهم بأنهم من قتلوا ريجيني بنيّة سرقة متعلقاته، وزعموا أنهم وجدوا المتعلقات في منزل أسرتهم.
ووصفت مصادر واسعة الاطلاع في وزارة الخارجية والنيابة العامة المصريتين القرار بأنه "سياسي بحت، ويتعلق بالأوضاع في ليبيا والقلق الذي يداهم الحكومة الإيطالية الحالية من تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن تفاقم مشكلاتها مع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر قائد ما يعرف بـ"الجيش الليبي" والمدعوم بقوة من مصر وفرنسا.
وقال مصدر دبلوماسي بديوان الخارجية لـ"العربي الجديد" إن "القرار الإيطالي حصيلة مفاوضات واتصالات سرية بين القاهرة وروما، بدأت منذ مايو/أيار الماضي وبلغت ذروتها في لقاء السيسي بشخصين يمكن اعتبارهما "عرّابي عودة السفير" هما الوزير السابق ماوريتسيو غاسباري، نائب رئيس مجلس الشيوخ، ونيكولا لاتوري، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، اللذان زارا مصر في 11 يوليو/تموز الماضي، واتفقا مع السيسي على خطوات محددة يجب أن يتخذها النظام المصري ليتمكنا من إقناع أغلبية الحكومة الإيطالية بإعادة السفير والمضي قدماً في التعاون السياسي والأمني بشأن ليبيا.