انضمت متاجر "راديو شاك"، و"كمبيوتر شوب"، و"موبايل شوب"، و"كومبيو مي"، و"سمارت هوم"، واسعة الانتشار في مصر، إلى قائمة المصالح التجارية المتحفظ عليها من قبل لجنة إدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، بزعم انتماء مؤسسي، أو مالكي تلك المصالح، إلى الجماعة أو دعمهم لها مالياً وتمويل أنشطتها الإرهابية، بحسب ما جاء في قرارين صادرين عن محكمة استئناف القاهرة هذا العام. وقضى القراران بإدراج أكثر من 1500 شخص على قائمة الإرهاب والتحفظ على أموالهم، ثم تعيين "لجنة أموال الإخوان"، المشكلة من وزارة العدل في العام 2014، قائمة على إدارة تلك الأموال، وفقاً لقانون "الكيانات الإرهابية" الصادر في العام 2015.
وأعلنت "لجنة أموال الإخوان"، خلال الأسبوع الحالي، تفعيل قرارات التحفظ على عدد من المصالح التجارية الناجحة والواسعة الانتشار في مصر. فإلى جانب شركة "دلتا القابضة"، المالكة للمتاجر الخمسة المذكورة سلفاً، تم التحفظ على شركة موقع "مصر العربية" الذي كانت قد حجبته السلطات المصرية سلفاً بدعوى نشره مواد تدعم الإرهاب. كما أسندت اللجنة إلى شركة "أخبار اليوم" الحكومية للاستثمار إدارة مكتبات "ألف" المملوكة لرجل الأعمال والخبير الاقتصادي، عمر الشنيطي، وصحيفتي "البورصة"، و"إيجيبت ديلي نيوز"، المملوكتين لرجل الأعمال والصحافي، مصطفى صقر.
ويرى مراقبون أن اللجنة، بهذه القرارات الجديدة، تعبر عن نهج جديد لنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في تتبع الشخصيات المتهمة بدعم "الإخوان"، وهو توسيع دائرة الاشتباه ليشمل أي شخصية كانت تتعامل مع الجماعة بين 2011 و2013، والشخصيات المعروفة بالتدين على الصعيد الشخصي، وكذلك من شاركوا قيادات جماعة "الإخوان" في مشروعات تجارية سابقاً. وينعكس اتساع دائرة الاشتباه الأمنية للتحفظ على الأموال بوضوح على الإجراءات التي اتبعتها اللجنة والأجهزة الأمنية مع مالكي شركة "دلتا القابضة"، التي تتنوع استثماراتها في مجالات استيراد وتصدير أجهزة الحاسب الآلي والهواتف المحمولة وبين الوكالة لعدد من أكبر وأشهر العلامات التجارية في مجال الإلكترونيات والأجهزة المنزلية، بل هي الوكيل الوحيد والحصري لبيع منتجات بعض تلك العلامات في مصر. فرئيس مجلس إدارة هذه الشركة، ذائع الصيت في المجتمع الاقتصادي، هو الدكتور علي فهمي طلبة، الأستاذ في كلية الهندسة بجامعة الزقازيق، وهو ليس محسوباً على جماعة الإخوان المسلمين، بقدر ما هو معروف بالتزامه الديني وبكونه ملتحياً. كما أن شقيقه محمد فهمي طلبة كان نقيب العلميين في أول انتخابات نقابية أجريت بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
لم تقف لحية طلبة، أو عدم انتمائه للحزب الوطني المنحل، عائقاً أمام اتساع حجم أعماله قبل ثورة يناير، فدشن، هو وقريبه محمد زين الدين وصديقه حسين حسن، شركة "دلتا القابضة" منتصف العقد الماضي، واتسعت أعمالهم بشكل ملحوظ بعد الحصول على عقد وكالة متاجر "راديو شاك" الأميركية، ثم إنشاء متاجر "كمبيوتر شوب" و"موبايل شوب" برأسمال مصري 100 في المائة، ثم توسيع أعمالهم لتشمل الأجهزة المنزلية بمتجر "سمارت هوم". وكان طلبة من أوائل رجال الأعمال الذين كثفوا تعاونهم مع منتجي الإلكترونيات في الصين، فحصل على توكيل عملاق الهواتف الصيني "هواوي"، ثم حصل أخيراً على توكيل عملاق الأجهزة الإلكترونية "إل جي"، ما أدى إلى اتساع حجم أعماله. وعلى الرغم من كونه صديقاً للعشرات من كبار المسؤولين، على رأسهم رئيس الوزراء الأسبق، كمال الجنزوري (المستشار الاقتصادي الحالي للسيسي)، وعضويته في مجلس إدارة معهد التخطيط القومي، باعتباره من ذوي الخبرة، إلاّ أن التصنيف الأمني لطلبة ظل في خانة "مؤيد لجماعة الإخوان"، وهو تصنيف ظهر، للمرة الأولى، قبل الإطاحة بحكم الجماعة بأشهر قليلة، إذ وصفته بعض الصحف القريبة من الأجهزة الأمنية بـ"رجل أعمال محسوب على الجماعة".
ويرى مصدر قضائي في وزارة العدل أن سبب تصنيف طلبة، كمؤيد لجماعة "الإخوان"، يعود لعلاقة الصداقة التي كانت تربطه برجل الأعمال الإخواني المحبوس حالياً، حسن مالك، وكذلك تزكية شقيقه من قبل كوادر "الإخوان" كنقيب للعلميين عام 2012، وترشيحه لتولي حقيبة وزارية في حكومة، هشام قنديل، التي كان السيسي وزيراً للدفاع فيها. ولم يشفع له رفضه في إبعاد هذا التوصيف عنه. ويوضح المصدر أن التحريات التي وردت من جهاز الأمن الوطني عن طلبة استندت أيضاً في تصنيفه إلى واقعة غريبة، تتمثل في إدلائه بتصريحات يناشد فيها السلطات التدخل للحد من "بلطجة اللجان الشعبية" التي انتشرت في الفترة ما بين 3 يوليو/تموز و14 أغسطس/آب 2013 بحجة التصدي لتظاهرات "الإخوان" وأنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، إذ اتهم طلبة تلك اللجان باقتحام بعض متاجره ونهبها، علماً بأن تلك اللجان كانت في حقيقتها مدعومة من قوات الأمن، واعترفت الشرطة لاحقاً في بعض القضايا بأن تلك اللجان أطلقت النار على أعضاء في "الإخوان". ويخلص المصدر من ذلك إلى أن "لجنة أموال الإخوان"، والأجهزة الأمنية الداعمة لها بالمعلومات، بدأت مرحلة جديدة بالسيطرة على أموال الأشخاص الذين تدور شبهات "غير قوية" لعلاقتهم أو تأييدهم للجماعة، وذلك بعدما أجهزت اللجنة على المقومات المالية للصفوف الأولى من قيادات وأعضاء الجماعة، بالتحفظ على أموال أكثر من 1700 شخص، هم جميعاً من يملكون مصالح تجارية ثابتة كالمصانع والشركات والمدارس والمستشفيات والمكتبات.
ويؤكد المصدر، أن هناك ظاهرة أخرى آخذة في التنامي، هي التحفظ على الشركات والمصالح التجارية أياً كانت نسبة الأسهم المملوكة بها للأشخاص المتحفظ عليهم. فطلبة على سبيل المثال ليس المالك الوحيد لمتاجر "دلتا"، ولا يشمل التحفظ أياً من شركائه، غير أن "لجنة الأموال" وسعت سلطتها مرة أخرى وتحفظت على الشركة بالكامل، وهو ما حدث سابقاً مع لاعب كرة القدم السابق، محمد أبو تريكة، الذي تم التحفظ بالكامل على شركة السياحة التي يشارك فيها. وفي السابق كانت اللجنة تقصر التحفظ على أموال، أو نسبة المتحفظ عليه في أي مشروع تجاري يشارك فيه، وعلى رأس من اتبعت معهم ذلك رجل الأعمال، صفوان ثابت، مالك شركة "جهينة"، التي تستحوذ على 60 في المائة من إجمالي سوق الألبان في مصر. وكان "العربي الجديد" قد كشف، في 27 يوليو/تموز الماضي، عن اتجاه الحكومة المصرية للتخفف من أعباء إدارة أموال وأملاك رجال الأعمال المتهمين بالانتماء إلى "الإخوان"، من خلال بحث سبل استثمارها اقتصادياً، عن طريق التأجير أو منح حق الإدارة والانتفاع لجني مزيد من الأرباح، مع تقليص المشاركة الحكومية في إدارة الكيانات الاقتصادية المتحفظ عليها منذ مطلع 2014، بعدما منيت تلك الكيانات بخسائر فادحة، نظراً لضعف إمكانيات الجهات الحكومية التي أوكلت إليها مهمة إدارة هذه الكيانات، وعلى رأسها قطاع مدارس 30 يونيو، التابع مباشرة لوزير التعليم، الذي أصبح مشرفاً على المدارس المتحفظ عليها، والتي كانت ذات طابع إسلامي، وكذلك وزارة الصحة التي تشرف على إدارة المستشفيات والعيادات والمستوصفات المتحفظ عليها، والشركات القابضة التي تشرف على إدارة سلسلة المحلات التجارية والمصانع المتوسطة والصغيرة المملوكة لجماعة "الإخوان" والمتهمين بتمويلهم.