ألغت الكلمة التي ألقاها الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله، والتي تناول فيها تطورات المعارك مع تنظيم "داعش" على الحدود اللبنانية -السورية، مفاعيل الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة، سعد الحريري، إلى المنطقة الحدودية. فقد حدّد نصر الله سقوفاً جديدة لتعامل النظام السوري مع السلطات اللبنانية، في استكمال لمسار الضغط باتجاه تطبيع العلاقات الرسمية بين البلدين، من بوابة اللاجئين مرة، ومن بوابة "مكافحة الإرهاب" مرات.
ونقل نصر الله عن النظام السوري دعوته السلطات اللبنانية إلى "تقديم طلب رسمي للتنسيق فوق الطاولة وليس تحتها" في حال أنجز الجيش اللبناني أي عملية تفاوض مع مسلحي "داعش". كما ضمّ نصر الله قوات النظام السوري إلى المعادلة الثلاثية التي طرحها الحزب في إطار الحصول على غطاء شرعي ووطني لبناني لمعاركه التي يخوضها في سورية والعراق واليمن، تحت عنوان "الجيش والشعب والمقاومة". وبعد أن قدّم الحزب مبررات مُختلفة لقتاله إلى جانب النظام السوري من "حماية المقامات الدينية" (الشيعية)، إلى "حماية لبنان من تمدد المسلحين التكفيريين إليه"، خلُص الحزب إلى تثبيت النظام السوري سياسياً، بعد أن ساهم عناصر الحزب بفاعلية في دعم قوات النظام ميدانياً وعلى أكثر من جبهة، وهي عملية كلّفت الحزب العشرات من مقاتليه وعدداً من قادته الأساسيين والرمزيين، منهم القائد العسكري السابق للحزب، مصطفى بدر الدين، ونجل القائد العسكري الأول في الحزب، عماد مغنية، جهاد. ينادي نصر الله اليوم بجمع قوات النظام السوري مع الجيش اللبناني، بعد أن روجت وسائل إعلام مُقربة منه إلى "تلاقي الجيشين العراقي والسوري في محاربة الإرهاب"، وهو ما تنفيه الوقائع الميدانية التي تؤكد أن المليشيات الطائفية التي دعمتها إيران هي التي قلبت موازين القوى في سورية والعراق، بينما شكل المشاة وسلاح الجو في الجيشين قوة دعم أو قوة رديفة للمليشيات. وفي لبنان، خاض الحزب الجزء الأكبر من معركة الحدود. وتُشكل هذه المنظومة العسكرية الهجينة، التي قامت على بقايا جيوش العراق وسورية واليمن ومعهم "حزب الله"، القوة العسكرية المُشتركة للدول المُتحالفة مع إيران في المنطقة.
أطراف لبنانية ترفض عودة الوصاية
ولا يزال المواطنون في لبنان يذكرون حواجز الجيش السوري التي طوقت كامل البلاد خلال فترة الاحتلال السوري للبنان، منذ العام 1990 وحتى 2005. كما يذكرون انتقال الوصاية الأمنية والسياسية للبلد من النظام السوري إلى "حزب الله"، الذي يقود التطورات السياسية وفقاً لإرادته المدعومة بثقله العسكري. ويضاف إلى الاحتلال العسكري المباشر، عشرات عمليات الاغتيال التي تعرض لها معارضو الوجود السوري في لبنان. واليوم تُجدد عدة قوى سياسية محلية رفضها لما أعلنه نصر الله، ومنها "حزب القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" و"الجماعة الإسلامية" (الجناح اللبناني لجماعة الإخوان المسلمين). ورد "المستقبل" مباشرة على كلمة نصر الله، من خلال بيان اتهم فيه الحزب بـ"استغلال ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين والتلاعب بمشاعر أهاليهم". كما رفض التيار الذي يقود رئيسه الحكومة اللبنانية معادلة نصر الله. واعتبر بيان "المستقبل" أن "المعادلة التي اتحفنا بها الأمين العام لحزب الله، لجهة إضافة الجيش السوري لمعادلته الثلاثية المعروفة، هي أفضل وسيلة لنسف المعادلة التي أرادها ذهبية أو ماسية من الأساس. وحسناً أنه فعل ذلك، لأننا بالفعل أصبحنا أمام معادلة تفتقد صلاحية الإجماع الوطني بامتياز، وتضع الجيش والشعب اللبناني خارجها تلقائياً".
ويقول عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب أنطوان زهرا، لـ"العربي الجديد"، إن "معادلة الحزب الثلاثية التي طرحها سابقاً لم تلق إجماعاً لبنانياً، وكذلك معادلته الجديدة". ودعا زهرا "حزب الله" إلى "إعلان الولاء للمحور الإيراني بشكل واضح وعلني"، وأن "يُعلن الأمين العام للحزب معادلة الرئيس السوري والجيش السوري والمقاومة التي تدعمه ضد شعبه". ولدى سؤاله عن مشاركة القوات في الحكومة اللبنانية إلى جانب "حزب الله"، يؤكد زهرا أن "الحكومة هي حكومة ربط نزاع، وهذا أمر لم يتغير. كما أن موقف رئيس الحكومة الرافض لتشريع معادلات حزب الله لا يزال مُستمراً أيضاً".
وجدد رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية، النائب السابق، أسعد هرموش دعوة الحزب "للانسحاب من سورية والعودة إلى الداخل اللبناني لمناقشة كافة الملفات المطروحة على طاولة حوار وطني". وقال هرموش، لـ"العربي الجديد"، إن "دور سلاح الحزب يجب أن يُحدد عبر الاستراتيجية الدفاعية المُرتقبة"، وإن "حصر السلاح بيد الجيش اللبناني يؤمن الحماية لكل فئات الشعب اللبناني من الاعتداءات الخارجية، بعيداً عن مقاومة الحزب الواحد والطائفية الواحدة التي تُقلق اللبنانيين". وجدد هرموش موقف الجماعة بضرورة "منح مقاومة العدو الإسرائيلي صفة وطنية، والسماح لكل اللبنانيين بممارسة هذا الحق، حتى تحرير كافة الأراضي اللبنانية".
ومن المتوقع ان يُشكل موقف نصر الله الجديد ضغطاً إضافياً على الجيش اللبناني، وخلفه الحكومة التي تجد نفسها مُحرجة أمام داعمي الجيش، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأمام الدول العربية التي صنفت الحزب كـ"تنظيم إرهابي" في جامعة الدول العربية وفي مجلس التعاون الخليجي.