سخط اليمنيين من مجازر "التحالف العربي" يكبر: تداعيات تهدد الشرعية وتخدم الانقلابيين

تعز

وجدي السالمي

avata
وجدي السالمي
28 اغسطس 2017
BED604FE-C391-447D-80A1-AC0A1777896A
+ الخط -

قضى المواطن اليمني محمد منصور الريمي (48 عاماً)، الموظف في شركة النفط اليمنية، نحبه مع زوجته وأبنائه الستة، لينتهي ذكر الأسرة إثر صاروخ واحد أطلقته إحدى طائرات "التحالف العربي" على منزلهم الكائن في فج عطان في العاصمة اليمنية صنعاء، فجر يوم الجمعة الماضي. لكن هذه الأسرة التي أبيدت بالكامل وكانت من ضمن ضحايا المجزرة الذين بلغوا 17 قتيلاً و8 جرحى، ستظل شاهدة على جرائم الحرب التي ارتكبها طيران "التحالف العربي"، وستبقى عالقة في ذاكرة اليمنيين، على غرار العديد من المجازر التي ارتكبها التحالف منذ بدء حربه في اليمن. 

وجاءت مجزرة فج عطان بعد مجزرة أخرى في أرحب، لتشير إلى مدى تزايد وتكرار عدد غارات "التحالف العربي" التي تستهدف المدنيين "بشكل غير متعمد"، كما يبرر "التحالف". ويكتفي الأخير أحياناً بنفي ارتكابه مجزرة، ويعترف أحياناً أخرى بها، كما حصل أخيراً، على لسان المتحدث الرسمي باسم "التحالف"، تركي المالكي، الذي وصف مجزرة فج عطان بـ"الحادث العرضي غير المقصود". وفي حال وعد "التحالف" بفتح تحقيق، سرعان ما يتبين أن الأيام تمر ويتكرر المشهد المأساوي، في ظل تعتيم كامل على الحقيقة، تحت حجة أن قيادة "التحالف" لا تزال تنتظر نتائج التحقيق.

لكن تزايد عدد الضحايا في صفوف المدنيين الذين يسقطون بغارات "التحالف العربي"، زاد من حالة السخط والاستنكار لدى الرأي العام والأوساط السياسية في اليمن. وبنظر الجميع، فإن "التحالف" متهم بتحاشي الأهداف العسكرية للانقلابيين، مقابل الاستهداف المتعمد للمدنيين. والدليل على ذلك أن الحشود العسكرية للانقلابيين تتحرك علناً وبحرية في صنعاء، وتحت مرأى ومسمع من "التحالف العربي" الذي يتجنب استهدافها.


وفي السياق، قال الأمين العام للتنظيم "الوحدوي الشعبي الناصري"، عبدالله نعمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أخطاء طيران "التحالف العربي" زادت عن حدها وتجاوزت حدود الأخطاء التي يمكن قبولها وتحمّل آثارها، ووصف هذه الأخطاء بالكوارث الإنسانية. وأضاف نعمان أن تياره السياسي "حذّر أكثر من مرّة من الآثار الكارثية لهذه الأخطاء التي قد تدفع المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان إلى تصنيفها باعتبارها جرائم حرب، والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها". من جانب أخر، أوضح أن تكرار هذه الأخطاء واستمرارها يُحدث تحولاً كبيراً في الرأي العام الداخلي، بما يُضعف التأييد والحاضن الشعبي للشرعية وقوات "التحالف العربي" الداعم لها، وفق تعبير نعمان. وأكد أن هناك شعوراً بالسخط من قبل الشارع يتنامى ويكبر باستمرار، مضيفاً أنه بسبب الأخطاء المتكررة وغير المقبولة، قد يُفاجأ الجميع بأن السخط سيعبّر عن نفسه في المحافظات المحررة بطرق مختلفة قد لا تُريح الشرعية و"التحالف العربي"، وقد تشكل نتائج ردة الفعل مفاجأة للجميع، وفق قوله. وأشار إلى أن نتائج هذه الأخطاء تصب في خدمة مشروع الانقلابيين.

واعتبر نعمان أن هذه الأخطاء كان يمكن تجاوزها لو أن الشرعية و"التحالف العربي" أبديا الاهتمام اللازم ببناء وتأهيل جيش وطني وتجهيزه بالأسلحة والعتاد والآليات، بما يوازن تلك التي يملكها الانقلابيون ويتفوق عليها، لا سيما بعدما توفرت الظروف المناسبة لإنجاز هذه المهمة في المناطق التي حُررت من سيطرة الانقلابيين، وفق تعبيره. وأكد أن استهداف المدنيين جريمة مدانة في كل الأحوال، سواء جاء الاستهداف من الجو أو من الأرض ومن أي طرف كان. ولفت إلى أنه بات على الشرعية و"التحالف" أنْ يدركا "المآلات السيئة لهذه الأخطاء قبل فوات الأوان"، على حد وصفه.

ورأى مراقبون أنه من العبث استمرار الحرب في اليمن من دون أن تحقق هدف إسقاط الانقلاب واستعادة الدولة الذي كان يعتقد اليمنيون أن "التحالف العربي" سيحققه في فترة وجيزة، أقصاها خلال عام.
وفي انعكاس لمدى السخط الشعبي من تزايد عدد الضحايا من المدنيين نتيجة أخطاء طيران "التحالف" في اليمن، ومدى تململ الحاضنة الشعبية لـ"التحالف" من أدائه وممارساته، كثرت أخيراً الانتقادات التي يتعرض لها "التحالف" من قبل أنصار الشرعية، في وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي. وبدأت حملات جمع تواقيع لإدانة جرائمه باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب لا تسقط بالتقادم.

حملة الانتقادات واسعة النطاق هذه يقودها اليوم ناشطون وإعلاميون وحقوقيون كانوا في السابق يتجاهلون أخطاء الغارات الجوية بحق المدنيين وكانوا يصنفونها باعتبارها "غارات خاطئة" ويدافعون عن هذا القول. لكن ما يجعلهم يرفعون الصوت اليوم هو أنهم كانوا يترقبون تحقيق النصر وحسم المعركة عسكرياً وإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، لكن هذا لم يحصل، ووصل معظم الشعب اليمني إلى قناعة بأن "التحالف" والشرعية ليست لديهما خطة محددة الأولويات لتنفيذ المهام التي أسند لكل طرف القيام بها من أجل تحقيق الهدف الرئيسي المعلن والمتمثل في دحر الانقلاب واستعادة الدولة وعودة الشرعية إلى صنعاء.

واعتبر مراقبون سياسيون وعسكريون أن قيادة الجيش الوطني تتحمّل أيضاً جزءاً من المسؤولية عن سقوط ضحايا مدنيين في غارات خاطئة لـ"التحالف العربي" بقيادة السعودية، نتيجة قيام هؤلاء القادة برفع إحداثيات خاطئة، في ظل فشل ذريع يعاني منه الجهاز الاستخباراتي للجيش الوطني، مؤكدين أن سقوط ضحايا مدنيين يؤثر على الحاضنة الشعبية للشرعية التي لم يعد يراهن عليها الشارع اليمني في إنقاذه من الانقلابيين.

واستفاد الانقلابيون من زيادة أخطاء غارات طيران "التحالف العربي" وتسببها في سقوط المزيد من المدنيين، لتبرير مطالبتهم بإيقاف ما سمّوه بـ"العدوان السعودي الأميركي"، مستغلين بذلك الأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب في اليمن، وفق قول محللين سياسيين. وهذا الأمر دفع وزير الخارجية اليمني، عبدالملك المخلافي، إلى التأكيد، في تصريحات صحافية، أن هناك من يريد تحويل الأزمة في اليمن من أزمة سياسية إلى أزمة إنسانية، وهو ما يعد إشارة إلى قوة الموقف التفاوضي للانقلابيين عقب هذه الغارات.

وبحسب مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان، بلغ عدد القتلى من بداية الحرب عام 2015 إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول 2016 فقط، 4125 مدنياً على الأقل، وعدد الجرحى 720. ووصفت منظمة "هيومن رايتش ووتش"، الغارات الجوية التي تنفذها مقاتلات "التحالف" بالعشوائية وغير المتناسبة، وقالت إنها تمثل انتهاكاً لقوانين الحرب. وأكدت استخدام "التحالف" ذخائر عنقودية محظورة دولياً. وشددت على أن الضربات الجوية التي ينفذها "التحالف العربي" في اليمن قد ترتقي إلى مستوى جرائم حرب.

ذات صلة

الصورة
من حملة تطعيم سابقة ضد الكوليرا في تعز (عبد الناصر الصديق/الأناضول)

مجتمع

أدت الفيضانات والسيول التي شهدتها اليمن مؤخراً إلى موجة جديدة من وباء الكوليرا، في ظل انهيار القطاع الصحي، وتردي المرافق الطبية.
الصورة
تتكرر الفيضانات في اليمن (محمد حمود/ Getty)

مجتمع

يواجه اليمنيون مأساة تلو الأخرى، وكان آخرها السيول والفيضانات التي اجتاحت محافظة الحديدة وخلفت قتلى وأضراراً كبيرة.
الصورة
أجواء عيد الأضحى في تعز (عبد الناصر الصديق/ الأناضول)

مجتمع

شهد اليمن في عيد الأضحى هذا العام مظاهر فرح متعددة وأجواء مختلفة، لا سيما مع التقدم الحاصل في مجريات الملف الإنساني وبينها فتح طرقات.
الصورة
الجزائرية سارهودا ستيتي أكبر الحجاج سنا، 10 يونيو (إكس)

مجتمع

وصلت إلى السعودية، الثلاثاء، الجزائرية صرهودة ستيتي، التي تعد أكبر الحجاج سنّاً في هذا العام، بعمر 130 عاماً. وحظيت باستقبال حافل لدى وصولها على كرسي متحرك.