يمتلك سكان إيرلندا الشمالية وجهات نظر حاسمة ومتباينة حدّ التناقض حول الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. يمكن لزوار الشطر الكاثوليكي من مدينة بلفاست، الذي يهيمن عليه القوميون الإيرلنديون، مشاهدة لوحات جدارية (غرافيتي) تعبر عن معاناة المدنيين في غزة وتدعم إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عن الطعام، والذي دام قرابة 42 يوماً. في المقابل، يمكن رؤية العلم الإسرائيلي بكثرة في الشطر البروتستانتي من عاصمة إيرلندا الشمالية.
تحتفي إحدى اللوحات الجدارية بالكولونيل جون باترسون، الذي كان ضابطاً بروتستانتياً في الجيش البريطاني ومن المدافعين عن الصهيونية وقائداً للفيلق اليهودي خلال الحرب العالمية الأولى. كما توجد لوحة معدنية في الشطر الشمالي من بلفاست لتخليد مكان ولادة الرئيس الإسرائيلي الأسبق بين عامي 1983 و1993، حاييم هرتزوغ، الذي كانت لهجته تعكس دائماً مكان ولادته.
وفي السياق، اعتبر رئيس مجموعة ضغط تدعى "أصدقاء إسرائيل في إيرلندا الشمالية"، ستيفن جاف، أن "اتحاديي أولستر" معجبون بالقوة العسكرية الإسرائيلية وما يعتبرونه صمودها في وجه "الإرهاب". وعندما صوت مجلس العموم البريطاني في عام 2014، على مبدأ الاعتراف بدولة فلسطينية، كان من بين الاثني عشر نائباً الذين صوتوا بـ"لا"، خمسة ممثلين عن الحزب "الاتحادي الديمقراطي". أما حزب "الشين فين"، الأكثر شعبية بين كاثوليكيي إيرلندا الشمالية، فيمتلك موقفاً مؤيداً للفلسطينيين يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما قدّمت المقاومة الفلسطينية يد المساعدة لـ"الجيش الجمهوري الإيرلندي". وقد وجّه قائد "الشين فين"، جيري أدامز، انتقادات شديدة أخيراً، لحكومة دبلن لفشلها في الاعتراف بدولة فلسطينية أو دعم الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.
إلا أنه وحينما يتأزم الوضع في القدس والأراضي المحتلة، تحتدّ المواقف وتبرز التباينات في بلفاست، على خلفية التطورات على الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية. هذا ما تعكسه أحداث الصيف الحالي. فقد تمكنت منظمة غير حكومية مقرها لندن وتدعى "Forward Thinking"، العام الماضي، من ترتيب لقاء في بلفاست بين أعضاء من حزب "الليكود" الحاكم في إسرائيل وحزب "الشين فين"، بعكس كل التوقعات التي عارضت حصول هذا اللقاء. وواجه هذا اللقاء جدلاً واسعاً، إذ تلقى انتقادات شديدة من الفلسطينيين، خاصةً مناصري ومنظمي حملة المقاطعة العالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي (BDS)، متهمين أصدقاءهم الإيرلنديين بـ"الخيانة". لكن حزب "الشين فين" عاد ورفض عرضاً آخر الشهر الماضي، من منظمة غير حكومية أخرى لعقد لقاء مماثل مع "الليكود". وبرر رفضه بإعلانه أنه يؤمن "بضرورة الانخراط الجدي مع كل الأطراف" إلا أنه يرفض مثل هذه الدعوة كدليل على التضامن مع الفلسطينيين والاعتراض على السياسات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى في القدس المحتلة.