وبعد أن رتبت الأوضاع في ثلاث من مناطق "خفض التصعيد"، وفق تفاهمات ثنائية مع المعارضة السورية، وهي الجنوب السوري، وغوطة دمشق، وريف حمص الشمالي، تسعى روسيا إلى تثبيت هذه التفاهمات والاعتراف بشرعيتها دولياً، بوصفها إنجازات روسية خالصة، بحسب ما أشار إلى ذلك مندوبها لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، مع مواصلة العمل على تهميش أدوار الأطراف الأخرى، وبينها تركيا وإيران، شريكتا روسيا في مسار أستانة. واعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أن الأوضاع في سورية خلال العام الحالي، أفضل من الأوضاع التي كانت سائدة العام الماضي. وأعلن، أمس السبت، أن تركيا تعمل من أجل تحقيق وقف إطلاق النار، والوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة في سورية.
وكانت وزارة الخارجية الكازاخية أعلنت، في بيان أمس الأول، عقد جولة جديدة من المحادثات بين النظام السوري والمعارضة في أستانة في 14 و15 سبتمبر/أيلول الحالي، بهدف تعزيز مناطق "خفض التصعيد". وأوضحت أن "المشاركين يعتزمون تأكيد حدود مناطق خفض التصعيد في إدلب وحمص والغوطة الشرقية"، من دون الإشارة إلى منطقة "خفض التصعيد" الرابعة في جنوب سورية، حيث تخشى إسرائيل والولايات المتحدة من عدم قدرة روسيا أو رغبتها في لجم الدخل الإيراني في الجنوب السوري، والذي يفترض أن يتقلص بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم برعاية موسكو وواشنطن في يوليو/تموز الماضي. وبموجب هذا الاتفاق، واتفاقيات أخرى ثنائية مع فصائل المعارضة، نشرت روسيا نحو ألف عنصر من شرطتها العسكرية في جنوب البلاد والغوطة الشرقية وأجزاء من منطقة حمص ضمن إطار مناطق "خفض التصعيد"، على أمل أن يقود ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار في سورية.
وفيما يبدو أنه إسهام منه في جهود تعويم الأسد، رجح مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمس الأول، سقوط ما تبقى من معاقل تنظيم "داعش" في سورية بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يجب أن يدفع المجتمع الدولي للضغط من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة. ورأى، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، أن "ما نشهده هو بداية النهاية لهذه الحرب... ما نحتاجه هو ضمان أن يكون ذلك أيضاً بداية للسلام. يبدأ التحدي في تلك اللحظة". وأشار إلى أن هناك ثلاثة أماكن لا تزال أبعد ما تكون عن الاستقرار، وهي الرقة ودير الزور وإدلب. وأضاف دي ميستورا "ستحين لحظة الحقيقة بعد الرقة ودير الزور، وهي مسألة ستحسم خلال بضعة أشهر". واعتبر أن "الولايات المتحدة وقوات سورية الديموقراطية ستحرران الرقة على الأرجح بنهاية أكتوبر"، متوقعاً أيضاً أن يسيطر النظام وروسيا على دير الزور حتى نهاية هذا الشهر وربما بحلول أوائل أكتوبر، من دون أي ذكر للمعارضة السورية. ورأى أنه "إذا قدم المجتمع الدولي المساعدة لكل من المعارضة والحكومة لقبول تفاوض حقيقي، فسيكون ممكناً إجراء انتخابات ذات مصداقية خلال عام واحد، تحت إشراف الأمم المتحدة، ومن دون تهميش للأقليات".
وكان دي ميستورا أعلن، في وقت سابق، أنه ينوي عقد الجولة المقبلة من محادثات جنيف في أكتوبر المقبل، لكن لن تعقد أي لقاءات "تقنية" إضافية للمعارضة السورية، وذلك في مسعى لمنحها الوقت الكافي لتوحد مواقفها. واعتبر أن حل الوضع في سورية يتطلب تفكيراً واضحاً وجديداً للمعارضة والنظام، داعياً المعارضة بكل مكوناتها إلى التوافق على مواقف تفاوضية مشتركة لتعزيز وحدتها. واعتبر أن ممثلي المعارضة "الذين تمت دعوتهم إلى محادثات جنيف، وأقصد الهيئة العليا للمفاوضات ومنصة القاهرة ومنصة موسكو، والذين ذكروا بالاسم في قرار مجلس الأمم المتحدة 2254، عليهم مسؤولية الاضطلاع بدور مهم وطارئ للتوصل إلى مواقف تفاوضية مشتركة لتعزيز وحدتهم". وفسر مراقبون ذلك بأنه دعوة ضمنية إلى "الهيئة العليا للمفاوضات" و"الائتلاف" المعارض إلى التحلي بـ"المرونة" والتخلي عن مطلب رحيل الأسد، فيما دعت "منصة موسكو"، على لسان رئيس وفدها، مهند دليقان، إلى تنحية رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، بوصفه عقبة في طريق المفاوضات. واعتبر دليقان أن "الطريق مسدود بوجه حجاب وأمثاله، لأن من اختار إطلاق الشعارات غير القابلة للتحقيق وتدفيع الشعب السوري ثمنها سيسد طريقه في نهاية المطاف". لكن دي ميستورا حذر في المقابل النظام السوري من أن انتهاجه المتواصل للحل العسكري، وانتاج اتفاق لا يمثل الجميع، سيترك الباب مفتوحاً أمام صعود القوى المتطرفة مرة أخرى. وقال "حتى من يعتقدون أنهم فازوا بالحرب، أي النظام، سيحتاجون للقيام ببادرة، وإلا سيعود داعش خلال شهر أو شهرين". وأضاف "ما نحتاجه هو إنهاء الأمر بشكل دائم، لا مجرد أن ننهي الصراع وحسب".
من جانبه، اعتبر مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن الدول الغربية باتت تعترف "على مضض بإنجازات روسيا في تحسين الوضع في سورية"، معرباً عن اعتقاده بوجود أمل بالوصول قريباً إلى تسوية. وقال نيبينزيا، في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية في نيويورك، إنه "من المستحيل عدم الاعتراف بأن هناك تغييرات إيجابية على الأرض في سورية ترتبط بجهود روسيا المبذولة"، مضيفاً "إننا نشهد بالفعل اقتراب موعد التسوية السياسية، التي نسعى جاهدين إلى تحقيقها". ولم يستبعد نيبينزيا أن تتم مناقشة القضية السورية خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تنطلق أعمالها في 12 سبتمبر/أيلول الحالي. وتابع "نحن في روسيا نريد شيئاً واحدا: نريد التسوية السياسية، نريد أن يقرر السوريون مصيرهم، نريد الحفاظ على الدولة السورية". أما وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان فقد أعلن، في تراجع عن مواقف باريس الأخير، أن الأسد "لا يمكن أن يكون الحل في سورية"، مؤكداً أن المرحلة الانتقالية لن تجري معه. وقال لودريان، لإذاعة لوكسمبورغ، "لا يمكن أن نبني السلام مع الأسد. لا يمكنه أن يكون هو الحل. الحل هو في التوصل مع مجمل الفاعلين إلى جدول زمني للانتقال السياسي يتيح وضع دستور جديد وانتخابات، وهذا الانتقال لا يمكن أن يتم مع بشار الأسد الذي قتل قسماً من شعبه". وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أكد أنه قام بتحديث موقفه حول سورية، وأنه لا يرى "خليفة شرعياً" للأسد، مثيراً صدمة المعارضة السورية التي كانت باريس من بين داعميها الرئيسيين منذ بداية الثورة السورية في العام 2011.
وفيما تسعى المعارضة إلى لملمة صفوفها، وإعادة بناء قواها الذاتية، جددت التأكيد على مواقفها المستندة إلى المرجعية الدولية، وضرورة رحيل الأسد عن السلطة. وقال كبير مفاوضي وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف، محمد صبرا، لـ"العربي الجديد"، إن "مطلب تنحي المجرم بشار ليس مطلب المعارضة، وإنما هو مطلب الشعب السوري الذي قدم مئات آلاف الشهداء في سبيل تحقيقه". ورأى أن المعارضة تستمد شرعيتها من خلال تنفيذ مطالب الشعب السوري وتمثيل تطلعاته بشكل أفضل، وليس عبر تحقيق مطالب الدول، لأن "المعارضة تمثل الشعب السوري وليس الدول، ومن يتخلى عن هذا المطلب، تحت أي ذريعة، سيضع نفسه في مواجهة الشعب السوري". وحول جدوى محادثات أستانة التي جرى تحديدها منتصف سبتمبر الحالي، قال صبرا "موقفنا ثابت من هذا المسار الذي نراه مساراً جانبياً وضعه الروس للاستفراد بالقضية السورية، عبر فصل المسار السياسي عن العسكري، ونتمسك بمرجعية الأمم المتحدة فقط، وضمن قرارات الشرعية الدولية". وفي إطار مساعي توحيد الصفوف، سياسياً وعسكرياً، وافقت كبرى فصائل المعارضة في الشمال السوري على مبادرة "المجلس الإسلامي السوري"، لتشكيل "وزارة دفاع للثورة" في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وأعلنت حركة "نور الدين الزنكي"، في بيان، موافقتها على المبادرة التي تجمع القوى العسكرية العاملة على الأرض، وذلك سعياً لـ"إسقاط النظام المجرم، وحماية المدنيين من ويلات الحرب والدمار". ويأتي ذلك، بعد ترحيب حركة "أحرار الشام الإسلامية" وفصيل "فيلق الشام" بالمبادرة، على أن يتم وضع تصور شامل لتوحيد الثورة، عسكرياً ومدنياً وسياسياً. وكان "المجلس الإسلامي السوري" أصدر بياناً، الخميس الماضي، طالب فيه "جميع الفصائل بتشكيل جيش ثوري واحد يشمل أرجاء سورية المحررة".