وجرى تشييع الجثامين بعد أسبوعين على كشف مصير ثمانية من العسكريين الذين كانوا في عداد المخطوفين، وتبيّن أن عناصر "داعش" قتلوهم عام 2015، وعلى تحديد عناصر التنظيم لموقع دفن عسكريين اثنين تم ذبحهما في وقت سابق.
وبدأت المراسم بنقل الجثامين من المستشفى العسكري المركزي في العاصمة بيروت، حيث تم إخضاع الرفات لفحوصات الحمض النووي لتأكيد هوية أصحابها، نحو مقر وزارة الدفاع في اليرزة، شمالي بيروت.
وكرّم رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس الحكومة، سعد الحريري، النعوش العشرة، على أن ينتقل موكب التشييع، وبطلب من أهالي العسكريين، إلى موقع الاعتصام الدائم الذي تم الإعلان عنه في ساحة رياض الصلح في بيروت حيث انتظر الأهالي لمدة 3 سنوات لمعرفة مصير أبنائهم.
وتخلل التشييع وضع رئيس الجمهورية أوسمة على نعوش العسكريين بعد ترقيتهم وتكريمهم، فيما أكد قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، أن "وحدة أراضي لبنان يصونها الجيش وحده، والنصر على الإرهاب آتٍ لا محالة"، وأضاف إن "العسكريين كانوا أول المُضحين في معركة فجر الجرود وكانوا أيضاً عنوانها".
وقال قائد الجيش اللبناني إن "المعركة كانت نظيفة وبطولية، ومن الآن وصاعداً سينتشر الجيش على الحدود الشرقية". كما ساوى عون بين الخطر الذي تشكله التنظيمات المتطرفة مع الخطر الذي تمثله إسرائيل على لبنان.
وهي المراسم التي شاركت بها عائلة العسكري علي الحاج حسن بعد أن كانت أعلنت مقاطعة التشييع الرسمي، احتجاجاً على الأداء الحكومي الذي واكب ملف ابنهم وباقي العسكريين.
وطلب الأهالي من الحريري، عدم حضور وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أصرّ على شنّ عملية أمنية في سجن رومية عام 2015، رغم تحذير الأهالي من أثر هذه العملية على سلامة أبنائهم. وهي العملية التي تخللها أساساً انتهاكٌ جماعيٌ لحقوق الموقوفين وتعذيبهم وضربهم أثناء نقلهم من أحد أقسام السجن إلى قسم آخر "بعد كشف اتصالات بين عدد من الموقوفين وبين انتحاريين نفذوا عمليات في لبنان وفي سورية وفي العراق"، بحسب الوزير المشنوق.
وسارع الوزير لتبرير موضوع العملية بعد أن علم بطلب الأهالي، وأصر على أن قتل العسكريين لم يكن مرتبطاً بقرار شن العملية الأمنية في رومية. وبعد مرور النعوش في الساحة، ستنطلق مواكب التشييع إلى البلدات التي ينتمي إليها العسكريون، وقد انتشرت مساء الخميس صورة لوالد العسكري المقتول إبراهيم مغيط، جالساً على حافة القبر الذي تم حفره لاستقبال رفات ابنه.
كما انتشرت صور خيم العزاء التي سيجت لبنان من شماله إلى جنوبه مع انتماء العسكريين العشرة إلى مُختلف الطوائف والمذاهب والمناطق.
ولقي المدير العام لجهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، انتقادات واسعة جراء إعلانه أمام الأهالي أنه يعلم بمصير العسكريين منذ عامين.
ارتدادات أمنيّة وقانونيّة
وبعد أن أنجز "حزب الله" صفقة التبادل مع عناصر "داعش" في المنطقة الحدودية بين لبنان وسورية والتي غادر بموجبها قتلة العسكريين دون محاسبة، أعلن المُدعي العام القاضي سمير حمود، عن تكليف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، إجراء التعقبات "بحق كل من يظهره التحقيق مُتورطاً في ملف العسكريين والتواصل مع تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين".
وشهد ليل الخميس ــ الجمعة مداهمة قوات من الجيش لمنزلي الشقيقين علي ومصطفى الحجيري (رئيس بلدية عرسال السابق وشيخ) لتوقيفهما، دون أن تعثر عليهما. كما أكد وزير الدفاع الحالي يعقوب الصراف، أن قيادة الجيش ستفتح تحقيقاً مُفصلاً في ملف العسكريين، "وعندها سيصبح ممكناً استدعاء كل المتورطين إلى المحكمة العسكرية"، وهو تصريح يعيد فتح النقاش الدائم حول صلاحية المحكمة العسكرية في استدعاء مدنيين ومحاكمتهم أمامها في مخالفة مباشرة لأصول المحاكمات.
وكانت مصادر محلية في البلدة قد أعربت لـ"العربي الجديد" عن مخاوف من "تحويل السياسيين لملف التحقيق في قضية العسكريين إلى مدخل للانتقام من عدد من أبناء عرسال بسبب خلفيات مذهبية وطائفية، وتحويل البلدة إلى شماعة لتعليق الفشل الرسمي في الملف عليها وعدم محاسبة المسؤولين الرسميين الفعليين عن مصير العسكريين".
ويضاف ذلك إلى التشفّي الذي تعرضت له ممتلكات أهل عرسال في جرد البلدة، مع تعرّض عشرات المعدات الثقيلة المستخدمة لتقطيع الحجر العرسالي وبيعه للحرق خلال فترة انتشار عناصر "حزب الله" في المنطقة، وهو حرقٌ يؤكد الأهالي أنه تم بعد انتهاء المعارك بين "النصرة" وبين الحزب في المنطقة.
وأظهر تسجيل مصور اطلع عليه "العربي الجديد"، الأضرار البالغة التي أصابت مقالع الحجر والبساتين التي حُرم مالكوها من زيارتها منذ العام 2014. غير أنه حذف لاحقاً من الصفحة. وسبق أن تعرض مزارع وابنه لإطلاق نار أدى لمقتلهما بعد محاولتهما الوصول إلى بستان الكرز التابع للأب في جرد البلدة لقطف المحصول وبيعه.
كما يتواصل تواري والد أحد العسكريين الذين قتلهم عناصر "النصرة" عن الأنظار بعد أن أقدم على أخذ الثأر من قريب لرئيس بلدية عرسال السابق، علي الحجيري، المتواري عن الأنظار حالياً. ومن المتوقع أن يستمر ملف الثأر الذي يتخذ طابعين، عشائرياً وطائفياً، بين أهالي بلدة عرسال ذات الأغلبية السنية وبين البلدات المجاورة ذات الأغلبية الشيعية والتي خضعت لتعبئة إعلامية موسعة طوال سنوات في محاولة لوصم كل أهالي عرسال بالتطرف.