أعلن مسؤولون عراقيون في بغداد أن فصائل في مليشيات "الحشد الشعبي" وافقت على الانسحاب من بعض المدن التي كانت تتواجد فيها، بينها بيجي ويثرب وسلمان بيك. وأكد أعضاء في البرلمان العراقي، لـ"العربي الجديد"، بدء الحكومة، منذ أيام، ببرنامج إعادة سريعة للنازحين إلى مدنهم بهدف إغلاق المخيمات، بغض النظر عن طبيعة مدنهم وعدم انتهاء عمليات رفع مخلفات تنظيم "داعش" وانتشال المقذوفات الحربية منها وتوفير خدمات الماء والكهرباء، وذلك من أجل سحب البساط من تحت الكتل التي تطالب بتأجيل الانتخابات ستة أشهر أخرى، إلى حين عودة جميع النازحين إلى مدنهم.
يأتي ذلك بعد يوم واحد من إعلان قيادة عمليات بغداد إغلاق ملف النازحين في العاصمة، بعد إعادة مئات العائلات إلى مناطقها. وأكدت، في بيان أول من أمس، أن العائلات النازحة تمثل الدفعة الأخيرة من النازحين المتواجدين في العاصمة. وتحدث مسؤول حكومي عراقي عن "خطة لتسريع وتيرة إعادة النازحين إلى مناطقهم وإغلاق 20 مخيماً للنازحين في غضون الشهر الحالي غرب ووسط وشمال البلاد". وبين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اعتراضات بعض الكتل السياسية، التي تطالب بتأجيل الانتخابات بسبب النازحين تلاقي قبولاً من الأمم المتحدة، وهو ما تخشاه الحكومة والتحالف الحاكم في العراق". وأكد عودة 719 عائلة عراقية نازحة خلال أسبوع إلى مناطق غرب الأنبار في القائم وراوة وجنوب بغداد وغربها في الحلابسة والطابي والشيورتان ومناطق أخرى، رغم عدم انتهاء عمليات رفع الألغام بشكل كامل من قبل الفرق الهندسية التابعة لوزارة الدفاع العراقية ومنظمات أوروبية متعاقدة مع الأمم المتحدة، كما أنه لا يتوفر في عدد من تلك المناطق خدمات الماء أو الكهرباء حتى الآن، فيما بعض العائلات بيوتها مهدمة بالكامل.
وكشف نائب رئيس جمعية تعنى بشؤون النازحين العراقيين، علي نعمة الزيدي، عن تخصيص الحكومة 40 حافلة تابعة لوزارة النقل، قامت قبل يومين بنقل نازحين من جنوب بغداد إلى مدنهم المدمرة، من دون أي تبليغ مسبق، بل إن عملية النقل تمت في اليوم ذاته. وقال الزيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "عناصر الجيش والشرطة الاتحادية أوقفوا الحافلات أمام بوابة مخيم في صدر اليوسفية صباحاً، وتم منح النازحين فرصة حتى الظهر لجمع أغراضهم لإعادتهم إلى مدنهم، بدعوى أنها صارت مهيأة لاستقبالهم". وجاء إعلان القيادي في مليشيات "الحشد الشعبي"، قيس الخزعلي، عن إمكانية عودة النازحين إلى مدينة بيجي بمثابة المفاجأة لسكان المدينة والوسط السياسي العراقي، خصوصاً أن المدينة، التي تعتبر رابع أكبر قضاء إداري في البلاد، دخلت عامها الثالث في التحرر من تنظيم "داعش"، من دون السماح لأهلها بالعودة إليها. وقال الخزعلي، في مؤتمر صحافي في بغداد الأربعاء، "بداية يجب أن نشكر ونكرم من صنع الانتصارات من الشهداء والجرحى في تحرير بيجي التي وصفت بالعصية"، مشيراً إلى أنّ "من قاتل في بيجي هم نخب داعش وكتائب محترفة، لكنها تحرّرت، ويجب الآن إعادة جميع النازحين وتأمين الخدمات ومقومات العيش فيها"، متعهداً بالكشف عن المتورطين بعمليات سرقة في المدينة بعد تحريرها، ومنها سرقة معدات ومحتويات من مصفاة بيجي النفطية.
وقال عضو المجلس المحلي لمدينة بيجي، منعم القيسي، لـ"العربي الجديد"، إن "موافقة الحشد لم تكن بضغط أو مناشدات، بل بسبب موافقتها للحكومة بضرورة إجراء الانتخابات، وإجهاض كل الحجج التي يتذرع بها الخصوم السياسيون، ومنها إعادة النازحين" على حد وصفه. وبين، في اتصال هاتفي، أن "المدينة رغم ذلك غير صالحة للعيش، وهناك قناعة أن بقاء الأهالي في الخيام أفضل من العودة إلى المدينة لعدة أسباب، منها أن 70 في المائة من منازل ومباني المدينة مدمرة، ولا توجد فيها أي خدمات، لا ماء ولا كرباء، وهناك تسجيل إصابات بأمراض وأوبئة في صفوف أفراد الحشد المتواجدين فيها، فكيف يكون الحال مع السكان؟ كما أن هناك ما لا يقل عن 9 آلاف لغم وعبوة ومقذوف داخل المدينة لم يتم رفعها". وتابع "ثلاث سنوات كانت تكفي لبناء المدينة بشكل كامل، وهذا دليل على أنهم لم يكونوا قرروا الانسحاب لولا الانتخابات. لذا سيجبرون الناس على العودة، ولو ناموا على أنقاض منازلهم". وأكد أن "الأهالي يتساءلون عن مصير مناطقهم، وطالبوا بتشكيل لجان مختصة من قبل الحكومتين المحلية والمركزية لتقييم حجم الأضرار، وما إذا كانت مناطقهم تصلح للسكن أم لا، وأن يتم تعويضهم عن كل تلك الخسائر".
وتأتي خطوة مليشيات "الحشد الشعبي" الانسحاب من بعض المدن، في وقت قرّرت فيه المشاركة في الانتخابات، إلا أنها ما زالت تسيطر على مدن أخرى، مثل جرف الصخر في بيجي والنخيب وإبراهيم ابن علي. وقال القيادي في تحالف القوى العراقية، محمد الفرّاجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "موقف تحالف القوى، الذي يصر على حسم ملف النازحين قبل إجراء الانتخابات، وموافقة رئيس الحكومة، حيدر العبادي على ذلك، دفع الحشد والأحزاب التي تقف خلفه إلى السعي لحسم هذا الملف". وأوضح أنّ "خطوات الحشد للانسحاب من بعض المناطق من دون غيرها مرفوضة من قبلنا، لأنّها تأتي في إطار العودة القسرية للنازحين، وهذا بمثابة نزوح جديد"، مشيراً إلى أنّ "تحالف القوى سيطالب الحكومة المركزية بتشكيل لجان خاصة، بإشراف أممي، للكشف على المناطق التي ستنسحب منها الحشد، ومدى إمكانية العيش فيها". وأكد أنّه "في حال كانت تلك المناطق غير صالحة للسكن، وهذا شيء مؤكد، فلا يمكن لأي جهة أن تجبر النازحين على العودة إليها"، محذراً من "خطورة إجبار النازحين على العودة إلى مناطق سكنهم بالقوة".
وقال القيادي في "تحالف القوى" النائب العراقي، محمد النوري عبد ربه، لـ"العربي الجديد"، إن "مطلب إعادة النازحين قائم، لكنه أمر غير مقبول على الإطلاق أن يتم بالشكل الذي يتم فيه حالياً". وأضاف إن "الحكومة تتحمل أخلاقياً أي شيء يحصل لهم، وعودتهم يجب أن تكون عبارة عن ملف إنساني لا انتخابي، ولا نقبل بهذه الطريقة على الإطلاق، وسنضغط على الحكومة لتوفير أبسط مقومات الحياة في تلك المدن قبل إعادتهم".
وأعلنت الحكومة العراقية، في بيان أمس الجمعة، عودة 50 في المائة من النازحين إلى مناطقهم، ما يعني أنها أعادت أكثر من 130 ألف نازح في غضون أقل من أربعة أسابيع، إذ أعلنت وزارة الهجرة العراقية في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي أنها أعادت 45 في المائة من أصل خمسة ملايين نازح في عموم العراق، بحسب بيان لوزير الهجرة، جاسم محمد الجاف. ونفت الحكومة العراقية، في بيانها، إجبار النازحين على العودة إلى مدنهم، مؤكدة أن الجهد الحكومي متواصل لتأمين متطلبات عودتهم وتوفير الخدمات الأساسية. ويؤكد مراقبون أنّ ملف النازحين دخل حيز السباق الانتخابي، وأنّ الجهات المعطلة له، ستعمل على تسويته بأبشع الصور، لأجل خوض الانتخابات. وقال الخبير السياسي، عماد البدري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مليشيات الحشد والأحزاب السياسية المرتبطة به بدأت بخطوات إعادة النازحين، وهذه الخطوات أفرغت الملف من محتواه الإنساني، وأدخلته حيز السياسة، ما يعني أنّ هذا الملف سيحسم من معاناة إلى معاناة جديدة". وأكد أنّ "الحشد والقوات الأمنية المتعاونة معها، ستدفع باتجاه إجبار النازحين على العودة قسراً، لإفراغ المخيمات، وتنظيم المهرجانات والمؤتمرات الصحافية التي ستعلن من خلالها حسم هذا الملف، لعدم إبقاء حجة لتأجيل الانتخابات"، مشيراً إلى أنّ "الموضوع سيكون أخطر مما نتصور، والحكومة نفسها لن تستطيع أن تقف بوجه هذا المخطط". يشار إلى أن مليشيات "الحشد الشعبي" لا تزال ترفض عودة أهالي جرف الصخر في بابل، والعويسات والنخيب في الأنبار قرب الحدود مع السعودية، إلى مناطقهم.